ثمّ توضح الآية الأُخرى كيفية استضافة أصحاب الجنان، وأدوات الضيافة، والمستقبلين لهم، فيقول: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريراً، قوارير من فضة قدروها تقديراً).
تحتوي هذه الآنية على أنواع الأغذية والأشربة المتعددة الأصناف واللذيذة والباعثة على النشاط، بالقدر الذي يشاؤونه ويحبّونه، والولدان المخلدون يطوفون عليهم ليعرضوا عليهم الآنية والأكواب المليئة بما وعدهم الله بها.
(آنية): جمع (إناء) وهو الوعاء، و"أكواب" جمع "كوب"، وهو إناء للشراب الذي لا عروة له، ويعبر عنه أحياناً بالقدح.
"قوارير": جمع (قارورة)، وهي الوعاء البلّوري والزجاجي.
والعجب في قوله: أوعية بلّورية مصنوعة من الفضة! والحال لا يوجد مثل هذا في عالم الدنيا، والأوعية البلّورية إنّما تصنع من رمال خاصّة وذلك بعد اذابتها، ولكنّ الله الذي جعل خاصيّة في الرمل تجعله يتحول إلى زجاج وبلّور لهو قادر أن يجعلها في معدن آخر كالفضة.
على كل حال فإنّ المستفاد من الآية إنّ هذه الأوعية والكؤوس تكون جامعة بين صفاء الزجاجة وشفافية البلوّر وبين بياض الفضة وجمالها، ويكون الشراب فيه متجلياً، والملاحظ أنّ هذا المعنى قد أشار إليه الامام الصادق (ع) أيضاً إذ قال: "ينفذ البصر في فضة الجنّة كما ينفذ في الزجاج" (4).
وفي العصر الحديث تمّ اكتشاف أنواع من الأشعة (مثل اشعة ايكس) لها قابلية النفوذ الى باطن المواد والاجسام المعتمّة واستجلاء محتوياتها.
وعن ابن عباس قال: "إن لكل نعمة من نِعَمِ الجنان شبهٌ في الدنيا إلاّ أكواب الفضة إذ لا شبيه لها" (5).
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ﴾ أقداح لا عرى لها ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾.