التّفسير
آداب الدخول إلى المكان الخاصّ بالوالدين:
إنّ أهم مسألة تابعتها هذه السورة - كما ذكرنا - هي مسألة العفاف العام ومكافحة كل انحطاط خلقي، بأبعاده المختلفة.
وقد تناولت الآيات - موضع البحث - إحدى المسائل التي ترتبط بهذه المسألة، وشرحت خصائصها، وهي استئذان الأطفال البالغين وغيرالبالغين للدخول إلى الغرفة المخصصة للزوجين.
فتقول أوّلا: (يا أيّها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) فيجب على عبيدكم وأطفالكم الاستئذان في ثلاث أوقات (من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء).
"الظهيرة" تعني كما يقول "الراغب الإصفهاني" في مفرداته "والفيروزآبادي" في القاموس المحيط: منتصف النهار وقريب الظهر حيث ينزع الناس عادة الملابس الإضافية، وقد يختلي الزوج بزوجته.
(ثلاث عورات لكم) أي هذه ثلاث أوقات للخلوة خاصّة بكم.
"العورة" مشتقّة من "العار"، أي: العيب. وأطلق العرب على العضو التناسلي العورة، لأنّ الكشف عنه عار.
كما تعني العورة الشقّ الذي في الجدار أو الثوب، وأحياناً تعني العيب بشكل عامّ.
وعلى كلّ فإنّ إطلاق كلمة (العورة) على هذه الأوقات الثلاثة بسبب كون الناس في حالة خاصّة خلال هذه الأوقات الثلاثة، حيث لا يرتدون الملابس التي يرتدونها في الأوقات الأُخرى.
وطبيعي أنّ المخاطب هنا هم أولياء الأطفال ليعلموهم هذه الأُصول، لأنّ الأطفال لم يبلغوا بعد سنّ التكليف لتشملهم الواجبات الشرعية.
كما أنّ عمومية الآية تعني شمولها الأطفال البنين والبنات، وكلمة "ألَّذين" التي هي لجمع المذكر السالم، لا تمنع أن يكون مفهوم الآية عاماً، لأنّ هذه العبارة استعملتْ في كثير من الموارد وقصد بها المجموع، كما في آية وجوب الصوم، فلفظ "ألَّذين" هناك يَعُمُّ المسلمين كافةً (سورة البقرة الآية 83).
ولابدّ من القول بأنّ هذه الآية تتحدّث عن أطفال مميزّين يعرفون القضايا الجنسية، ويعلمون ماذا تعني العورة. لهذا أمرتهم بالإستئذان عند الدخول إلى غرفة الوالدين، وهم يدركون سبب هذا الإستئذان، وجاءت عبارة "ثلاث عورات" شاهداً آخراً على هذا المعنى ولكن هل أن الحكم المتعلق بمن ملكت أيديكم يختص بالعبيد الذكور منهم أو يشمل الأماء والجواري، هناك أحاديثٌ مختلفةٌ في هذا المجال، ويمكن ترجيح الأحاديث التي تؤيد ظاهر الآية، أي شمولها الغلمان والجواري.
وتختتم الآية بالقول: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) فلا حرج ولا إثم عليكم وعليهم إذا دخلوا بدون استئذان في غير هذه الأوقات الثلاثة، أجل: (كذلك يبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم).
كلمة (طوافون) مشتقة من "الطواف" بمعنى الدوران حول شيء ما، وقد جاءت بصيغة مبالغة لتأكيد تعدد الطواف.
وبما أنّ عبارة (بعضكم على بعض) جاءت بعد كلمة (طوافون) فإنّ مفهوم الجملة يكون: إنهُ مسموح لكم بالطواف حول بعضكم في غير هذه الأوقات الثلاثة، ولكم أن تتزاوروا فيما بينكم ويخدم بعضكم بعضاً.
وكما قال "الفاضل المقداد" في كنز العرفان، فإنّ هذه العبارة بمنزلة دليل على عدم ضرورة الإستئذان في غير هذه الأوقات، لأنّ المسألة تتعقد إن رغبتم في الإستئذان كلّ مرّة(1).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قد سبق الأمر بالاستئذان العام وهذا استئذان خاص ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ﴾ من الأحرار يعم الذكور والإناث ﴿ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾ في اليوم والليلة ﴿مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ﴾ لأنه وقت القيام من المضاجع وتبديل لبس الليل بلبس النهار ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم﴾ للقيلولة ﴿مِّنَ الظَّهِيرَةِ﴾ بيان لحين ﴿وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء﴾ بعد لأنه وقت تبديل لبس اليقظة بلبس النوم ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾ أي هذه أوقات ثلاث والعورات الخلل ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ﴾ أي المماليك والصبيان ﴿جُنَاحٌ﴾ في أن لا يستأذنوا ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ بعد هذه الأوقات، هم ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ﴾ طائف أو يطوف بعضكم ﴿عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ﴾ التبيين ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ الأحكام ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما يصلحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما دبر لكم.