(عذراً أو نذراً) (2) إمّا لاتمام الحجة أو للانذار.
والآن لِنَرَ ما هو مفهوم هذه الأيمان المغلقة التي تخبر عن مسائل مهمّة، ويوجد هنا ثلاث تفاسير مهمّة:
1 - إنّ هذه الأيمان الخمسة إشارة إلى الرياح والعواصف التي لها الأثر البالغ في كثير من مسائل الطبيعة في العالم، فيصبح معنى الآيات حينئذ: أُقسم بالريح المتوالية الهبوب.
وأُقسم بالأعاصير السريعة.
وأُقسم بالناشرات السحاب التي تنزل المطر إلى الأراضي الميتة.
وأُقسم بالرياح التي تفرّق السحاب بعد هطول المطر.
وأُقسم بالرياح المذكّرة بالله بهذه المعطيات النافعة.
(وقيل أنّ (فالعاصفات عصفاً) إشارة إلى أعاصير العذاب النقيضة للرياح الباعثة للحياة والتي تعتبر بدورها سبباً للتذكر واليقظة).
2 - إنّ هذه الأيمان إشارة إلى (ملائكة السماء): أي أُقسم بالملائكة المرسلة تباعاً إلى الأنبياء (والملائكة المرسلين بالمناهج المعروفة)، وأُقسم بأولئك المسرعين كالأعصار لتنفيذ مهامهم، والذين ينشرون ما أنزل الله على الأنبياء، وأولئك الذين يفصلون بعملهم هذا الحق عن الباطل، والذين يلقون ذكر الحق وأوامر الله على الأنبياء.
3 - القسم الأوّل والثّاني ناظر إلى الرياح والأعاصير، والقسم الثّالث والرّابع والخامس يتعلق بنشر آيات الحق بواسطة الملائكة، ثمّ فصل الحق عن الباطل، وبعد ذلك إلقاء الذكر والأوامر الإلهية على الأنبياء بقصد إتمام الحجّة والإنذار.
وما يمكن أن يكون شاهداً على التفسير الثّالث هو:
أوّلاً: فصل المجموعتين من الأقسام التي في الآيات (بالواو)، والحال أنّ البقية عطفت بالفاء وهي علامة ارتباطها.
ثانياً: إنّ هذه الأيمان كما سوف نرى واردة لموضوع الآية السابعة، أي أحقيّة البعث والمعاد وواقعيته، ونعلم أنّ تغيّراً عظيماً يحصل في الدنيا عند البعث حيث العواصف الشديدة والزلازل والحوادث المهيبة من جهة، ثمّ تشكيل محكمة العدل الإلهية من جهة أُخرى وعندها تنشر الملائكة صحائف الأعمال وتفصل بين المؤمنين والكافرين، وتلقي بالحكم الإلهي في هذا المجال.
وطبقاً لهذا التّفسير سوف يتناسب القسم مع المقسم له، ولهذا فإنّ التّفسير الأخير أفضل.
"الذكر" في جملة: (فالملقيات ذكراً) أمّا أن يكون بمعنى العلوم الملقاة على الأنبياء، أو الآيات النازلة عليهم، ونعلم أنّ القرآن جاء التعبير عنه بالذكر كما في الآية (رقم 6) من سورة الحجر: (وقالوا يا أيّها الذي نزل عليه الذكر إنّك لمجنون).
كلمة "الملقيات" بصيغة الجمع مع أنّ ملك الوحي - أي جبرئيل (ع) - واحد ليس إلاّ لما يستفاد من الرّوايات أنّ جماعات كثيرة من الملائكة كانوا يصاحبون جبرئيل (ع) عند نزول الآيات القرآنية، كقوله تعالى في الآية (15) من سورة عبس: (بأيدي سفرة).
﴿عُذْرًا﴾ للمحققين ﴿أَوْ نُذْرًا﴾ للمبطلين.