ثمّ يقول تعالى: (ألم نجعل الأرض كفاتاً (5)، أحياءً وأمواتاً) (6).
"كفات": - على وزن كتاب - و (كفت) - على وزن كشف - هو جمع وضم الشيء للآخر، ويقال أيضاً لسرعة طيران الطيور "كفات" لجمعه لأجنحته حال الطيران السريع حتى يتمكن من شق الهواء والتقدم أسرع.
والمراد هو أنّ الأرض مقر لجميع البشر: إذ تجمع الأحياء على ظهرها وتهيء لهم جميع ما يحتاجونه، وتضم أمواتهم في بطنها، فلو أنّ الأرض لم تكن مهيئة لدفن الأموات لسببت العفونة والأمراض الناتجة منها فاجعة لجميع الأحياء.
نعم، إنّ الأرض هي كالأُم التي تجمع أولادها حولها وتضمهم تحت أجنحتها، وتغذيهم، وتلبسهم، وتسكنهم، وتقضي جميع حوائجهم، وتحفظ أمواتهم في قلبها أيضاً، وتمتصهم وتزيل مساويء آثارهم.
وفسّر بعضهم "الكفات" بالطيران السريع، والآية تشير إلى حركة الأرض حول الشمس والحركات الأُخرى والتي كانت غير مكتشفة زمن نزول القرآن.
ولكن بملاحظة الآية الأُخرى أي (أحياءً وأمواتاً) يتضح أنّ التفسير الأوّل أنسب، ويؤيد ذلك قول أمير المؤمنين علي (ع) عند رجوعه من صفين ووصوله قرب الكوفة، حيث قال وهو ينظر إلى مقبرة خارج الكوفة: "هذه كفات الأموات" أي مساكنهم.
ثم نظر إلى منازل الكوفة فقال: "هذه كفات الأحياء" ثم تلا هذه الآيات: (ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً) (7).
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا﴾ مصدر كفت أي ضم.