لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول ذكرت عدة أسباب لنزول الآية الأُولى من الآيات أعلاه، فقد جاء في بعض الأحاديث أنّ هذه الآيه نزلت في "حنظلة بن أبي عياش" الذي صادف زواجه ليلة معركة أُحد، وكان الرّسول(ص) يشاور أصحابه حول هذه المعركة، فجاءه حنظلة يستأذنه المبيت عند زوجته، فأجازه(ص). وقد بكّر حنظلة للإلتحاق بصفوف المسلمين، وكان على عجل من أمره بحيث لم يتمكن من الإغتسال. ودخل المعركة على هذه الحال، وقاتل حتى قتل في سبيل الله. قال رسول الله(ص) فيه "رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحائف فضة بين السماء والأرض". لهذا سمي حنظلة بعدها بـ "غسيل الملائكة"(1). وذكر سبب آخر لنزول هذه الآية حيث "روى ابن إسحاق" في سبب نزول هذه الآيات أنّه لما سمع رسول الله(ص) بتجمع قريش والاحزاب على حربه - وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة. فعمل فيه رسول الله(ص) ترغيباً للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون فيه فدأب ودأبوا، وأبطأ عن رسول الله(ص) وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين لا ينجزون إلاّ اليسير من العمل، أو يتسللون إلى أهليهم بغير علم رسول(ص) ولا إذنه، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لابدّ منها، يذكر ذلك لرسول الله(ص) ويسأله في اللحوق بحاجته فيأذن له. فإذا قضى حاجته، رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتساباً له، فأنزل الله تعالى في أُولئك المؤمنين (إنّما المؤمنون ...) الآية، ثمّ قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون بغير إذن من النّبي(ص): (ولا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم ...) الآية(الثانية). التّفسير لا تتركوا النبيّ وحده! قال بعض المفسّرين حول علاقة هذه الآيات بسابقتها، وفيهم المرحوم "الطبرسي" في مجمع البيان "وسيد قطب" في تفسير في ظلال القرآن: بما أنّ الآيات السابقة طرحت للبحث جانباً من أُسلوب التعامل مع الأصدقاء والأقرباء. فإنّ الآيات موضع البحث تناولت كيفية تعامل المسلمين مع قائدهم النبي(ص). وقد أكّدت التزام الوقار أمامه، وطاعته وعدم ترك الجماعة إلاّ بإذنه. ويمكن أيضاً أنّ الآيات السابقة تحدثت عن ضرورة طاعة الله ورسوله(ص) ، ومن علائم طاعته عدم تركه أو القيام بعمل ما دون إذن منه، لهذا تحدثت الآيات - موضع البحث - حول هذا الموضوع. فتقول أوّلا: (إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه). والمراد من "أمر جامع" كلّ عمل يقتضي إجتماع الناس فيه ويتطلب تعاونهم، سواء كان عملا استشارياً، أو مسألة حول الجهاد ومقاتلة العدو، أو صلاة جمعة في الظروف الإستثنائية وأمثالها. وإذا وجدنا أنّ بعض المفسّرين، قالوا بأنّه يعني الإستشارة أو الجهاد أو صلاة الجمعة أو العيد فنقول: إنّهم عكسوا جانباً من معاني هذه الآية. وأسباب النّزول السابقة أيضاً هي من مصاديق هذا الحكم العام. وفي الحقيقة إنّ هذا من شروط النظم والتنظيم ولا يمكن لأية مجموعة منظمة منسجمة أن تهمله، فغياب شخص واحد قد تترتب عليه صعوبات ويلحق ضرراً بالهدف النهائي، خاصّة إذا كان قائد الجماعة رسول الله(ص) وكلامه مطاع. كما يجب الإنتباه إلى أنّ الإذن لا يعني الإستئذان الشكلي لقضاء الشخص أعماله الخاصّة والتفرغ لتجارته. وإنّما أن يكون صادقاً في الإستئذان. فإذا وجد القائد أن غياب هذا الشخص يلحق ضرراً، فمن حقه أن لا يأذن له، وعليه أن يضحي بمصلحته من أجل هدف أسمى. لهذا تضيف الآية: (إنّ الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم). ومن الواضح أنّ هؤلاء المؤمنين لا يستأذن أحدهم لعمل بسيط في حين أنّهم اجتمعوا لأمر أهم، والمقصود من عبارة "شأنهم"، الأعمال الضرورية والمهمّة فقط. ومن جهة أخرى، لا تعني إذن النّبي(ص) للأشخاص دون دراسة جوانب المسألة وأثر حضور وغياب الأفراد، بل جاء هذا التعبير ليطلق يد النّبي(ص) وأن لا يأذن لأحد حين إحساسه بضرورة حضوره في الجماعة. ودليل هذا الكلام ما جاء في الآية (43) من سورة التوبة حيث يلام الرّسول(ص) لإذنه بعض الأفراد: (عفى الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبيّن الذين صدقوا وتعلم الكاذبين). وتبيّن هذه الآية كيف أوجبت على النّبي(ص) التحقيق قبل الإذن، وأن يلاحظ أبعاد هذه المسؤولية الإلهية. وتقول الآية في الختام: (واستغفر لهم الله إنّ الله غفور رحيم). و هنا يطرح سؤال: ما الغرض من هذا الإستغفار؟ فهل هم مذنبون رغم أخذهم الإذن من الرّسول بالمغادرة، كي يحتاجوا إلى استغفاره لهم؟ و للجواب على هذا السؤال هناك وجهان: أحدهما: أن يستغفر لهم تنبيهاً على أنّ الأوْلى أن لا يقع الإِستئذان منهم وإن أذن لهم، لأن ذلك يعتبر تقديم الشخص لمصلحته الخاصّة على مصلحة المسلمين، و لا يخلو هذا الامر من "الترك الاولى" ولذا يحتاج الى الاستغفار (كالاستغفار على عمل مكروه).(2) كما تبيّن هذه العبارة ضرورة عدم الإستئذان بالقدر الممكن. واتباع التضحية و الإيثار حتى لا يتورطوا بارتكاب عمل تركه أوْلى كمغادرة الجماعة لعمل بسيط. و الوجه الثاني: يحتمل أنّه تعالى أمره بأن يستغفر لهم مقابلة لتمسّكهم بآداب اللّه تعالى في الإستئذان.(3) ولكن نرى عدم وجود تناقض بين هذين الوجهين، كما أنّه من الطبيعي أن لا تخصّ هذه التعاليم التنظيمية الرّسول(ص) وأصحابه فقط. وإنّما هي واجبة الإتباع إزاء كلّ قائد إلهي، سواء كان نبياً أم إماماً أم عالماً نائباً لهما، حيث يتوقف مصير المسلمين على هذه الطاعة. كما يحتمه - إضافة إلى القرآن - العقل والمنطق، لأنّ الاستمرار التنظيم يتوقف على رعاية هذه المبادىء، ولا يمكن إدارة المجتمع بدونها. و المدهش تفسير كبار مفسّري أهل السنة لهذه الآية بأنّها دليل على جواز الإجتهاد وتوقف الحكم على رأي المجتهد. ولا يخفى أنّ الإجتهاد المطروح في مباحث الأصول والفقه يخص الأحكام الشرعية، ولا يتعلق بالاجتهاد في الموضوعات حيث أنّ الإجتهاد في الموضوع لا يقبل الإنكار، فكل قائد جيش أو مدير دائرة أو مشرف على جماعة يجتهد في القضايا الإجرائية الخاصّة بدائرة عمله. وليس هذا دليلا على إمكان الإجتهاد في الأحكام الشرعية العامّة بإيجاب حكم بدعوى المصلحة العامّة، أو نفي حكم أو تشريع آخر. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ الكاملون في الإيمان ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ بإخلاص ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ﴾ مع الرسول ﴿عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ كالجمعة والأعياد والحروب، ووصف الأمر بالجمع مبالغة ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ مهامهم ﴿فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ لعدم الاستئذان ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ للمؤمنين ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم.