التفسير:
كل شيء بأمرك يا ربّ...
تجيب الآيات المذكورة على أسئلة منكري المعاد والمختلفين في هذا "النبأ العظيم" لأنّها تستعرض جوانب معينة من نظام الكون وعالم الوجود الموزون، مع تبيانها لبعض النعم الإلهية الواسعة ذات التأثير الفعال في حياة الإنسان، وذلك من جهة دليل على قدرة الباري عزَّ وجل المطلقة، ومنها قدرته على إعادة الحياة إلى الإنسان بعد موته.
ومن جهة أُخرى إشارة إلى أنّ الكون وما فيه من دقّة تنظيم، لا يمكن أنْ يُخلق لمجرّد العبث واللهو! بل لابدّ من وجود حكمة بالغة لهذا الخلق.
في حين أنّه لو كان الموت يعني نهاية كل شيء، فمعنى ذلك أنّ وجود العالم عبث وخال من أيّةِ حكمة!!
وبهذا فقد استدل القرآن الكريم على حقيقة "المعاد" بطريقين:
1 - برهان القدرة.
2 - برهان الحكمة.
وقد عرضت الآيات الإحدى عشر، اثنتي عشر نعمة إلـهية، بأُسلوب ملؤه اللطف والمحبّة، مصحوباً بالإستدلال، لأنّ الإستدلال العقلي لو لم يقترن بالإحساس العاطفي والنشاط الروحي يكون قليل التأثير.
وتشرع الآيات بالإشارة إلى نعمة الأرض، فتقول: (ألم نجعل الأرض مهاداً).
(المهاد): كما يقول الراغب في المفردات: المكان الممهّد الموطأ، وهو في الأصل مشتق من "المهد"، أيْ المكان المهيء للصبي.
وفسّره بعض أهل اللغة والمفسّرين بالفراش، لنعومته واستوائه وكونه محلاً للراحة.
واختيار هذا الوصف للأرض ينم عن مغزىً عميق...
فمن جهة: نجد في قسم واسع من الأرض الإستواء والسهولة، فتكون مهيئة لبناء المساكن والزراعة.
ومن جهة ثانية: أُودع فيها كل ما يحتاجه الإنسان لحياته من المواد الأولية إلى المعادن الثمينة، سواء كان ذلك على سطحها أمْ في باطنها.
ومن جهة ثالثة: تحلل الأجساد الميتة التي تودع فيها، وتبيد كل الجراثيم الناشئة عن هذه العملية بما أودع فيها الباري من قدرة على ذلك.
ومن جهة رابعة: ما لحركتها السريعة المنظمة ولدورانها حول الشمس وحول نفسها من أثر على حياة البشرية خاصّة، بما ينجم عنها الليل والنهار والفصول الأربعة.
ومن جهة خامسة: خزنها لقسم كبير من مياه الأمطار الغزيرة، وإخراج ذلك على شكل عيون، آبار، أنهار.
والخلاصة: إنّ جميع وسائل الإستقرار والعيش لبني آدم متوفرة في هذا المهد الكبير، وقد لا يلتفت الإنسان إلى عظم هذه النعمة الرّبانية، إلاّ إذا ما أصاب الأرض زلزالاً...، وعندها سيدرك معنى استقرار الأرض، ومعنى كونها مهاداً.
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾ وطاء كالمهد.