(وجنّات ألفافاً).
يقول الراغب في مفرداته: "ألفافاً": أيْ إلتفّ بعضها ببعض لكثرة الشجر (13).
والآيتان تشيران إلى ما يستفيد منه الإنسان والحيوان من المواد الغذائية التي تخرج من الأرض، فالحبوب الغذائية تشكل قسماً مهمّاً من المواد الغذائية "حبّاً"، والخضر تشكل القسم الآخر "ونباتاً"، وتأتي الفاكهة لتشكل القسم الثالث "وجنّات".
ولا تنحصر فوائد المطر بهذه الفوائد الثلاث المذكورة في هاتين الآيتين، فللماء دور أساسي وحيوي في عملية حياة الكائنات الحيّة، وعلى الأخص الإنسان، حيث أنّ الماء يشكل ما يقارب السبعين في المائة من بدنه، بل ويتعدى ذلك ليشمل كل كائن حيّ، كما يشير القرآن الكريم لهذه الحقيقة: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) (14).
وتتجاوز فوائد الماء حدود الكائن الحيّ لتشمل: المصانع، جمال الطبيعة، وأفضل الطرق التجارية والإقتصادية هي الطرق المائية.
ملاحظة:
علاقة الآيات بـ "المعاد":
أشارت الآيات المبحوثة إلى أهم العطايا الرّبانية والنعم الإلـهية والتي لها الدور المهم والأساس في الحياة البشرية: النور، الظلمة، الحرارة، الماء، التراب والنباتات.
وذكر نظام الكون على ما فيه من دقة موزونة ومحسوبة لدليل على قدرة الله عزَّوجلّ المطلقة من جهة، وبه يُسد كل ثغرات التساؤل عن قدرة الله على إحياء الموتى، وكما أجابت آخر سورة "يس" منكري المعاد بالقول: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أنْ يخلق مثلهم) (15).
ومن جهة أُخرى أنّه لابدّ أن يكون لهذا الخلق العظيم من هدف، ولا يعقل أنْ يكون الهدف منه هو هذه الأيّام المعدودة لحياتنا الدنيا، إذ ليس من الحكمة أنْ يكون كل هذا الخلق وبما يحمل من أنظمة وعمليات من أجل الأكل والشرب والنوم وأمثال ذلك! بل لابدّ من وجوب هدف أسمى يتناسب وحكمة الباري جلّ شأنه، وبعبارة أُخرى... ما النشأة الأُولى إلاّ تذكيراً للنشأة الآخرة: ومرحلة متقدمة، ومحطة تزود بالوقود وصولاً لغاية السفر المحتوم، وكما ينبهنا القرآن الكريم: (أفحسبتم إنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون) ؟!(16).
وبعد ذلك... فما النوم واليقظة إلاّ مثلاً للموت والحياة الجديدة، وما إحياء الأرض الميتة بنزول المطر - الشاخصة أمام أعين الناس على طول السنة - إلاّ توضيحاً لحالة المعاد، وإشارات مليئة بالمعاني ترمز إلى مسألة القيامة والحياة بعد الموت، كما جاء في سورة فاطر: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور) (17).
﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ بساتين ملتفة بالشجر.