لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التفسير: القسم بالملائكة: جاء القسم القرآني بخمسة أشياء مهمّة، لتبيان حقيقة وحتمية تحقق يوم القيامة "المعاد"، فيقول: (والنازعات غرقاً....). وقبل البدء بالتّفسير لابدّ من توضيح معاني بعض الكلمات... "النازعات": من (النوع)، ونزع الشيء جذبه من مقرّه، كنزع القوس عن كبده، ومنه نزع العداوة والمحبّة من القلب (1). وبذلك تشمل الاُمور المعنوية أيضاً. (الغَرق): بالفتح (على وزق الشفق)، هو الرسوب في الماء، (على قول كثير من أهل اللغة)، ويأتي كذلك فيمَن غمره البلاء. و"الغرْق": (على وزن الفرْق)، يقول عنه (ابن منظور) في لسان العرب: إنّه اسم اُقيم مقام المصدر الحقيقي، بمعنى الإغراق، والإغراق بالنزع هو: أن يباعد السهم ويسحب القوس إلى آخر نقطة ممكنة، ويضرب مثلاً للغو والإفراط. ومن هنا يتّضح أنّ المعنى المقصود في هذه الآية ليس الغرق في الماء، بل هو القيام بعمل ما إلى أقصى حدّ ممكن.(2) "النّاشطات": من (النشط)، هي العُقد التي يسهل حلها، وبئر (إنشاط): هي القريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة، ويقال للإبل التي تتحرك من غير أن يُحدى لها (النشيطة)... فيكون المعنى عموماً: هو التحرك بسهولة. "السابحات": من (السبح)، وهو الحركة السريعة في الماء أو الهواء ولهذا تطلق السابحات على: السباحة في الماء، الحركة السريعة للخيل، وأيّة حركة سريعة في عمل ما... و"التسبيح": هو تنزيه اللّه تعالى من كل عيب ونقص، وأصله: الحركة السريعة في عبادة اللّه تعالى. "السابقات": من (السبق)، وهو التقدم في السير، وبما أنّ السبق لا يتمّ إلاّ بالحركة الأسرع فهو يتصمّن معنى الشرعة كذلك. "المدبرات": من (التدبير)، وهو التفكير في عاقبة الاُمور، وأرادت الآية القيام بالأعمال على أحسن وجه. وبعد هذه التعريفات الموجزة نشرع بالتفسير: إنّ القسم بهذه الاُمور الخمسة قد لفّته هالة من الإبهام والغموض وتبعث على التأمل والتعمق أكثر لمعرفة المراد من هذه الأقسام وأنّها لمن تشير، وأي شيء تقصد؟ وقد عرضت تفاسير مختلفة، وقيل الكثير بخصوص هذا الموضوع، إلاّ أنّ معظمها تدور حول ثلاثة محاور: الأوّل: إنّ القسم المذكور يتعلق بالملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفّار والمجرمين، ولكون تلك الأرواح قد رفضت التسليم للحق، فيكون فصلها عن أجسادها بشدّة. ويتعلق كذلك، بالملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين برفق ويُسر، وسرعة في إتمام الأمر. والملائكة التي تسرع في تنفيذ الأوامر الإلهية. ثمّ الملائكة التي تتسابق في تنفيذ الأوامر الإلهية. وأخيراً، يتعلق القسم بالملائكة التي شؤون العالم بأمره سبحانه وتعالى. الثّاني: تعلق القسم بالنجوم التي تغرب من اُفق لتنتقل إلى اُفق آخر وبحركة دائبة لا تعرف السكون. فبعض منها تمشي الهوينا، والبعض الآخر واسعة الخطوات. وتراها سابحة في السماء. وتتسابق فيما بينها. وأخيراً، تشترك في تدبير اُمور الكون، بما لها من تأثيرات، (كنور الشمس وضياء القمر بالنسبة إلى الأرض). الثّالث: تعلق القسم بالمجاهدين في سبيل اللّه، أو بخيولهم الخارجة من أوطانهم بعزم شديد لتجول في ميادين القتال بنشاط وتمكن. و... تتسابق فيما بينها... مع الجول والتسابق تعمل على إرادة وتدبير اُمور الحرب. وقد جمع بعض المفسّرين هذه الآراء، فبعضها مقتبس من الأوّل، والقسم الآخر من الثّاني أو الثالث، لمعنى خاص، ولكنّ الأصل في كلّ ذلك يعود إلى التّفاسير الثّلاثة المذكورة (3). ولا يوجد أيّ تضاد بين كلّ ما ذُكر، ويمكن أن تكون الآيات قد رمزت إلى كلّ هذه المعاني... وعموماً يبدو أنّ التفسير الأوّل أقرب من غيره، للأسباب التالية: أوّلاً: تناسبه مع يوم القيامة... هو ممّا تدور السورة حوله عموماً. ثانياً: نسبة الترابط الموجودة بينه وبين الآيات المشابهة للآيات المبحوثة في أوّل سورة المرسلات. ثالثاً: ملائمة تفسير: (فالمدبّرات أمراً) للملائكة التي تدبّر شؤون العالم بأمر اللّه، والذين لا يتخلفون ولو لحظة واحدة في تنفيذ ما يؤمرون به، كما تشير الآية (27) من سورة الأنبياء إلى ذلك: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)، وخصوصاً أنّ (تدبير الأمر) ورد بصيغة مطلقة من دون أيّ قيد أو شرط. وعلاوة على كلّ ما تقدم فثمّة روايات في تفسير الآيات المبحوثة يتناسب معها التفسير الأوّل، ومن جملتها: ما روي عن علي (ع) في تفسير (النّازعات غرقاً)، إنّه قال: "إنّها الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفّار عن أبدانهم بشدّة كما يغرق النازع بالقوس فيبلغ بها غاية المسد) (4). وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا