وبعد ذكر نعمة الماء وما له من أثر حيوي ومهم في نمو النباتات، ينتقل البيان القرآني إلى الأرض، فيقول: (ثمّ شققنا الأرض شقّاً).
يذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ الآية تشير إلى عملية شقّ الأرض بواسطة النباتات التي تبدأ بالظهور على سطح الأرض بعد عملية بذر الحبوب، والعلمية بحدّ ذاتها مدعاة للتأمل، إذ كيف يمكن لهذا العشب الصغير الناعم أنْ يفتت سطح التربة مع ما لها من صلابة وخشوبة! بل ونرى في المناطق الجبلية أنّ سويقات نباتاتها وقد ظهرت من بين حافات صخورها الصلدة! فأيّة قدرة هائلة قد اُودعت فيها، سبحانك يا ربّ وأنت الخلاق العليم.
وقيل: تشير الآية إلى شقّ الأرض بالآت الزرّاعة من قبل الإنسان، أو تشير إلى ما تقوم به الديدان من حرث الأرض وتشقيقها من خلال ممارساتها لنشاطاتها الحياتية المختصة بها.
صحيح أنّ الإنسان هو الذي يقوم بعملية الحرث، ولكنّ جميع أسبابه ووسائله من اللّه عزّوجلّ، لذا فقد نسبت عملية شقّ الأرض إلى الباري جلّ اسمه.
وثمّة تفسير ثالث يقول: إنّ شقّ الأرض في الآية إشارة إلى تفتت الصخور التي كانت على سطح الأرض.
ولهذ التفسير مرجحات عديدة...وتوضيح ذلك: كان سطح الكرة الأرضية مغطى بطبقة عظيمة من الصخور، وقد تشققت تلك الطبقة الصخرية بفعل غزارة هطول الأمطار المتتالية عليها، ممّا جعلتها علس شكل ذرات منتشرة على معظم سطح الأرض، فتحولت إلى تربة صالحة للزراعة.
وحتى يومنا المعاش... نلاحظ قسماً كبيراً من الأتربة التي تحملها مياه الأنهار أو المصحوبة مع السيول، نلاحظها وقد كونت طبقات من التربة الصالحة للزراعة بعد أن تستقر على الأرض يتبخر الماء عنها أو تمتصه الأرض.
فالآية تمثل إحدى مفردات الإعجاز العلمي للقرآن، لأنّها تناولت موضوع الأمطار وتشقق الأرض وتهيئها للزراعة، بشكل علمي دقيق، والآية لم تتحدث عن شيء قد حدث، بل حدث ولا زال، يبدو أنّ هذا التفسير ينسجم مع ما تطرحه الآية التالية بخصوص عملية الإنبات....مع ذلك، فلا ضير من قبول التفاسير الثلاثة للآية ومن جهات مختلفة.
﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا﴾ بالنبات أو الكراب.