لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(اُولئك هم الكفرة الفجرة). "مسفرة": من (الأسفار)، بمعنى الظهور بياض الصبح بعد ظلام الليل. "غبرة": على وزن (غَلَبَة)، من (الغبار). "قترة": من (القتار)، وهو شبه دخان يغشي من الكذب، وقد فسّره بعض أهل اللغة بـ (الغبار) أيضاً، ولكن ذكرهما في آيتين "الغبرة والقترة" متتاليتين منفصلتين يشير إلى اختلافهما في المعنى. "الكفرة": جمع (كافر)، والوصف يشير إلى فاسدي العقيدة. "الفجر": جمع (فاجر)، والوصف يشير إلى فاسدي العمل. ونستخلص من كلّ ما تقدّم، إنّ آثار فساد العقيدة لدى الإنسان وأعماله السيئة ستظهر على وجهه يوم القيامة. وقد اختير الوجه، لأنّه أكثر أجزاء الإنسان تعبيراً عمّاً يخالجه من حالات الغبطة والسرور أو الحزن والكآبة، فبإمكانك وبكلّ وضوح أن تعرف أنّ فلاناً مسروراً أم حزيناً من خلال رؤيتك لما انطبع على وجهه، وحالات: السرور، والحزن، والخوف، والغضب، والخجل وما شابه، لها بصمات خاصّة على ملامح وتقاسيم الوجه. وعلى أيّة حال... فالوجوه الضاحكة المستبشرة، تحكي عن: الإيمان وطهارة القلب وصلاح الأعمال. وبعكس الوجوه المقابلة والدالة على: ظلام الكفر، قبح الأعمال، وكأنّ وجوههم قد غطاها الغبار، تراها مسودة، وتحيط بها هالة من الدخان...وترى معاني الغم والألم والأسف قد تجسدت على الوجوه، كما تشير إلى ذلك الآية (41) من وسورة الرحمن: (يعرف المجرمون بسيماهم)... فيكفي لمعرفة حال الإنسان في يوم القيامة من خلال النظر إلى وجهه. بحث اُسس البناء الذاتي: لقد حملت السورة المباركة بين طياتها برنامجاً تربوياً جامعاً لنباء النفس وتزكيتها: 1 - فقد أمرت بكسر حاجز الغرور والتكبر، والتحلي بالتأمل في بدء خلق الإنسان، فهذا الذي ابتدأ وجوده من نطفة قذرة، لا ينبغي عليه أن يتطاول ويرى نفسه أكبر من حجمها الطبيعي. 2 - التمسك بطرق الهداية الرّبانية (هداية الوحي، تعاليم الأنبياء وبرامج الأولياء الصالحين، وكذا الهداية الحاصلة عن العقل بدراسة قوانين وأنظمة عالم التكوين)، فهو أفضل زاد في مشوار طريق البناء. 3 - وتأمر الإنسان للتفكر في طعامه - من أين جاء كيف صار، وما سرّ اختلاف ألوانه وأنواعه ـ، ليصل إلى عظمة الخلاق ومدى لطفه ورحمته على عباده، ولابدّ للإنسان من السعي في كسب لقمة الحلال والتي تعتبر من أهم أركان التربية السليمة، وذلك لما لها من آثار نفسية وشرعية. 4 - وإذا ما أعطت السورة كلّ هذه الأهمية لغذاء البدن، فهي تدفع الإنسان للتحري عن سلامة غذاءه الروحي، لأنّ فعل التعليمات المنحرفة والتوجيهات الفاسدة الباطلة كفعل الغذاء المسموم، فهي تنخر في البناء الروحي وتعرض حياة الإنسان للخطر. وممّا يحزُّ في نفوس المؤمنين أن يروا قسماً من الناس وقد تكالبوا على غذاء البدن بكلّ دقة واعتناء، وأهملوا الغذاء الروحي فترى (مثلاً) من يقرأ أيّ كتاب وإن كان فاسد ومفسِّد، ويستمع لأيّ حديث وإن كان ضالاً مضلاً، دون أن يضع لتوجيهاته أيّ ضابط بقيد أو شرط! وقد جسّد أمير المؤمنين (ع) هذا المعنى بقوله: "ما لي أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلاً تكلفوا إنارة المصابيح، ليبصروا ما يدخلون بطونهم، ولا يهتمون بغذاء النفس، بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب، في اعتقاداتهم وأعمالهم" (3). وروي شبيه هذا القول عن الإمام الحسن المجتبى (ع): "عجبت لمن يتفكر في مأكوله، كيف لا يتفكر في معقوله، فيجنب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه" (4). 5 - ثمّ تذكّر السورة بصيحة البعث الرهيبة التي تضع الإنسان وجهاً لوجه أمام ما قدّمت يداه من أعمال في الحياة الدنيا... فعلى الإنسان أن يتفكر في أمر آخرته، وعليه أن يعمل ليكون ضاحك الوجه مستبشراً في ذلك اليوم المحتوم، وأن يجهد بكلّ ما أمكنه للتخلص ممّا يؤدي به لأن يكون عبوساً حزيناً. اللّهمّ، وفقنا لتربية وتزكية وأنفسنا... اللّهم، لا تحرمنا من نعمة التوجه الصحيح الشاخص لساحة رضوانك... اللّهم، أيقظنا من غفلتنا واجعل عاقبتنا على خير... آمين ربّ العالمين نهاية سورة عبس ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ أي الجامعون بين سوء العقيدة وفساد العمل.