ولكي لا يتصور بأنّ مشيئة وإرادة الإنسان مطلقة في سيره على طريق المستقيم، ولكي يربط الإنسان مشيئته بمشيئة وتوفيق اللّه عزّوجلّ، وجاءت الآية التالية ولتقول: (وما تشاؤون إلاّ أن يشاء اللّه ربّ العالمين) والآيتان السابقتان تبيّنان فلسفة "أمر بين الأمرين" التي أشار إليها الإمام الصادق (ع)، فمن جهة، إنّ الإرادة والقرار بيدكم، ومن جهة اُخرى، يلزم تلك الإرادة وذلك القرارة ما يشاء اللّه ربّ العالمين... وإنّ خلقتم أحراراً مختارين، فالحرية والإختيار منه جلّ اسمه، ولولا إرادته ذلك لما كان.
فالإنسان ليس بمجبور على أعماله مطلقاً، ولا هو بمختار بكلّ معنى الإختيار، ولكنْ... كما روي عن الإمام الصادق (ع): "لا جبر ولا تفويض الأمر بين الامرين"، فكلّ ما للإنسان من: عقل، فهم قدرة بدنية، وقدرة على اتخاذ القرار، كلّ ذلك من اللّه عزّوجلّ، فهو من جهة في حالة الحاجة الدائمة للإتصال به جلّ شأنه، ولو شاء اللّه لتوقف كلّ شيء وانتهى، وهو من جهة اُخرى مسؤول عن أعماله لما له من حرية واختيار على تنفيذها.
ويفهم من "ربّ العالمين"، إنّ المشيئة الإلهية تقضي بهداية وتكامل الإنسان وكلّ الموجودات، فاللّه لا يريد أنْ يضل أو يذنب أحد من الخلق، بل يريد أن يسعد كلّ الخلق في جوار رحمته ورضوانه، وبمقتضى ربوبيته فهو الموفّق والمعين لكلّ من يريد أن يسلك طريق التكامل.
والخطأ القاتل الذي وقع فيه المتجبرة، إنّهم تمسّكوا بالآية الثّانية دون الاُولى وربّما كان المفوضة قد تمسّكوا بالآية الاُولى مفصولة عن الآية الثانية لها... والفصل فيما بين آيات القرآن كثيراً ما يوقع في هاوية الضلال والخروج بنتائج خاطئة باطلة، وينبغي التعامل مع الآيات القرآنية على كونها كلٌّ مترابط، لا آيات فرادى.
وقيل: إنّه لمّا نزل قوله تعالى: (لمن يشاء منكم أنْ يستقيم)، قال أبو جهل: جعل الأمر إلينا إنْ شئنا استقمنا وإنْ شئنا لم نستقم، فأنزل اللّه تعالى: (وما تشاؤون إلاّ أنْ يشاء اللّه ربّ العالمين) (1).
اللّهمّ! لا توفيق إلاّ منك، فوفقنا للسير على طريق رضوانك...
اللّهمّ! لقد رغبنا في سلوك طريقك ومنهجك، فاجعل مشيئتك أن تأخذ بأيدينا في هذا الطريق...
اللّهمّ! إنّا نخاف أهوال الحشر والقيامة، لخلو صحائف أعمالنا من الحسنات، فعاملنا بعفوك ولطفك، ولا تشدد علينا بعدلك...
آمين يا ربّ العالمين
نهاية سورة التّكوير
﴿وَمَا تَشَاؤُونَ﴾ أيها الكفرة الاستقامة ﴿إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ جبركم عليها