لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية التالية - تتناول تحليلات الكفار - أو حججهم على الأصح - في مقابل دعوة النّبي(ص) ، فتقول: (وقال الذين كفروا إن هذا إلاّ إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون). في الواقع، إنّهم من أجل أن يلقوا عن عواتقهم مسؤولية تحمل الحق - شأن كل الذين أصروا على معارضة القادة الربانيين على طول التاريخ - اتهموا الرّسول (ص) أوّلا بالإِفتراء والكذب، خاصّة وأنّهم قد استخدموا لفظة "هذا" ليحقروا القرآن. ثمّ من أجل أن يثبتوا أنّه غير قادر على الإِتيان بمثل هذا الكلام - لأنّ الإِتيان بمثل هذا الكلام المبين مهما يكن بحاجة إلى قدرة علمية وافرة، وما كانوا يريدون التسليم بهذا - ومن أجل أن يقولوا أيضاً: إنّ هذا خطّة مدبرة ومحسوبة، قالوا: إنّه لم يكن وحده في هذا العمل، بل أعانه قوم آخرون، وهذه مؤامرة بالتأكيد، ويجب الوقوف بوجهها. بعض المفسّرين قالوا: إنّ المقصود بـ (قوم آخرون) جماعة من اليهود. وقال آخرون: إنّ المقصود بذلك ثلاثة نفر كانوا من أهل الكتاب، وهم: "عداس" و "يسار" و "حبر" أو "جبر". على أية حال - بما أنّ هذه المواضيع لم يكن لها وجود في أوساط مشركي مكّة، وإنّ قسماً منها مثل قصص الأنبياء الأولين كان عند اليهود وأهل الكتاب - فقد كان المشركون مضطرين الى نسبة هذه المطالب الى أهل الكتاب كي يخمدوا موجة إعجاب الناس من سماع هذه الآيات. لكن القرآن يردُّ عليهم في جملة واحدة فقط، تلك هي: (فقد جاؤوا ظلماً وزوراً).(1) "الظلم" هنا لأنّ رجلا أميناً طاهراً وصادقاً مثل الرّسول الأكرم(ص) اتّهموه بالكذب والإِفتراء على الله، وبالإِشتراك مع جماعة من أهل الكتاب. فظلموا أنفسهم والناس أيضاً. و "الزور" هنا أن قولهم لم يكن له أساس مطلقاً، لأنّ النّبي(ص) دعاهم عدّة مرات إلى الإِتيان بسورة وآيات مثل القرآن، فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدي. وهذا بالذات يدل على أن هذه الآيات ليست من صنع عقل البشر، لأنّ الأمر لو كان كذلك، لكانوا يستطيعون بمعونة جماعة اليهود وأهل الكتاب أن يأتوا بمثلها. ومن هنا فإنّ عجزهم دليل على كذبهم، وكذبهم دليل على ظلمهم. لهذا فالجملة، القصيرة (فقد جاؤوا ظلماً وزوراً) رد بليغ وداحض في مواجهة ادعاءاتهم الواهية. كلمة "زور" في الأصل من "زَور" (على وزن غور) أخذت بمعنى: أعلى الصدر، ثمّ أطلقت على كل شيء يتمايل عن حدّ الوسط، وبما أن "الكذب" انحرف عن الحق، ومال إلى الباطل، فقد، سمّوه "زوراً". تتناول الآية التالية لوناً آخر من التحليلات المنحرفة والحجج الواهية للمشركين فيما يتعلق بالقرآن، فتقول: (وقالوا أساطير الأولين أكتتبها). لا شيء عنده من قبل نفسه، لا علم ولا ابتكار، فكيف له بالنّبوة والوحي! إنّه استعان بآخرين، فجمع عدّة من الأساطير القديمة، وأطلق عليها اسم الوحي والكتاب السماوي. وهو يستلهمها من الآخرين طيلة اليوم من أجل الوصول إلى هذا الهدف (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا). إنّه يتلقى المعونة لأجل هدفه في الأوقات التي يقلُّ فيها تواجد الناس، أي بكرة وعشياً. هذا الكلام - في الحقيقة - تفسير وتوضيح للإِتهامات التي نقلت عنهم في الآية السابقة. إنّهم في هذه الجملة القصيرة أرادوا أن يفرضوا على القرآن مجموعة من نقاط الضعف: أوّلها: أن ليس في القرآن موضوع جديد مطلقاً، بل مجموعة من الأساطير القديمة. والثّانية: أنَّ نبي الإِسلام لا يستطيع الإستمرار بدعوته - حتى يوماً واحداً - بدون مساعدة الآخرين، فلابدّ أن يُملوا الموضوعات عليه بكرة وعشياً، وعليه أن يكتبها. والأُخرى: أنّه يعرف القراءة والكتابة. فإذا قال: إنّني اُمّي، فهي دعوى كاذبة. إنّهم - في الواقع - كانوا يريدون أن يفرقوا الناس عن النّبي(ص) بواسطة هذه الأكاذيب والإتهامات، في الوقت الذي يعلم كل العقلاء الذين عاشوا مدّة في ذلك المجتمع، أنّ النّبي(ص) لم يكن قد درس عند أحد، مضافاً إلى أنّه لم تكن له أية رابطة مع جماعة اليهود وأهل الكتاب. وإذا كان يستلهم من الآخرين كل يوم بكرة وعشياً، فكيف أمكن أن يخفى على أحد؟ فضلا عن هذا، فإن آيات القرآن كانت تنزل عليه في السفر والحضر، بين الناس ومنفرداً، وفي كل حال. مضافاً إلى كل هذا، كان القرآن مجموعة من التعليمات الإِعتقادية، والأحكام العملية، والقوانين، ومجموعة من قصص الأنبياء، ولم تكن قصص الأنبياء لتشكل كل القرآن، مضافاً إلى أنّ ما ورد من قصص الأقوام الأولين في القرآن لم يكن له شبه لما جاء في العهدين (التوراة والإِنجيل) المحرفين، وأساطير العرب الخرافية، لذلك لأنّ ما في العهدين مليء بالخرافات، والقرآن منزّه عنها، ولو وضعنا القرآن والعهدين جنباً إلى جنب، وقايسنا بينهما، فسوف تتجلى حقيقة الأمر جيداً.(2) ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا﴾ أي القرآن ﴿إِلَّا إِفْكٌ﴾ كذب ﴿افْتَرَاهُ﴾ اختلقه ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ من أهل الكتاب وهو نظير إنما يعلمه بشر كما مر في النحل ﴿فَقَدْ جَاؤُوا﴾ فعلوا ﴿ظُلْمًا﴾ تكذيبهم الرسول ﴿وَزُورًا﴾ هو كذبهم عليه.