لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويهدد القرآن الكريم المطففين، باستفهام توبيخي: (ألاّ يظنّ أُولئك أنّهم مبعوثون). (ليوم عظيم). يوم عظيم في: عذابه، حسابه وأهواله. (يوم يقوم النّاس لربّ العالمين). أي، إنّهم لو كانوا يعتقدون بالبعث والحساب: وأنّ أعمالهم مسجلة وستعرض كاملة في محكمة العدل الإلهي بخيرها وشرّها، وكبيرها وحقيرها، لو كانوا يعتقدون ذلك، لما ظلموا أحداً، ولأعطوا النّاس حقوقهم كاملة. وقد اعتبر كثير من المفسّرين: إنّ "الظن" الوارد في الآية من "يظن" بمعنى (اليقين) : كما هو في الآية (249) من سورة البقرة: (قال الذين يظنون أنّهم ملاقوا اللّه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه)، وهذه الآية كانت تتحدث عن المراحل المختلفة لإيمان واستقامة بعض بني إسرائيل. وممّايشهد على ما ذُكر أيضاً، ما روي عن أمير المؤمنين (ع) في تفسير الآية: (ألاّ يظنّ أُولئك أنّهم مبعوثون ليوم عظيم)، أنّه قال: "أليس يوقنون أنّهم مبعوثون"؟ (6) وروي عنه (ع) أيضاً، أنّه قال: "الظن ظنان، ظنّ شك وظنُّ يقين، فما كان من أمر المعاد من الظنّ فهو ظنّ يقين، وما كان من أمر الدّنيا فهو على الشك". (7) واحتمل البعض: إنّ "الظنّ" الوارد في الآية، هو ذات "الظنّ" المتعارف عليه في زماننا، وهو غير اليقين، فيكون إشارة إلى أنّ الإيمان بالقيامة يترك أثراً في روح الإنسان، يجعله يتنزّه عن الوقوع في الذنوب والظلم، حتى وإن كان ذلك الإيمان بنسبة "الظنّ"...فكيف به إن كان يقيناً؟! ويصطلح العلماء على هذا المعنى، عنوان (دفع الضرر المظنون) أو (دفع الضرر المحتمل). فيكون مفهوم الآية، على ضوء ما ورد: ليس المطففين العاصين لا يملكون اليقين بوجود يوم القيامة، بل إنّهم لا يظنون بذلك أيضاً. (ويبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب). و"الظنّ" - كما يقول الراغب في مفرداته - : اسم لما يحصل عن إمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جدّاً لم يتجاوز حدَّ التوهم. وعليه...فاصطلاح "الظنّ" - بخلاف ما يتبادر إليه الذهن في زماننا - يشمل العلم والظنّ، ويستعمل في الحالتين. ملاحظة: التطفيف من عوامل الفساد في الأرض: تعرض القرآن الكريم للتطفيف في الوزن مراراً، ومن ذلك ما جاء في الآيات (181 - 183) من سورة الشعراء، حينما خاطب شعيب (ع) قومه قائلاً: (أُوفوا الكيل ولا تكونوا من الُمخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) فالتطفيف في الوزن والكيل من الفساد في الأرض، وذلك لما تنتج عنه من مفاسد اجتماعية ذات أبعاد واسعة. كما جاء التأكيد في الآيتين (7 و 8) من سورة الرحمن على ضرورة الإلتزام بالعدالة حين استعمال الميزان، بعد الإشارة إلى أن العدل أصلٌ قد روعي فيه حتى نظام الخلق في عالم الوجود: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألاّ تطغوا في الميزان). ولذا، نجد أئمّة أهل البيت (ع) قد أَولوا هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، حتى روي عن الأصبغ بن نباتة، أنّه قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول على المنبر: "يا معشر التجار! الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر" إلى أن قال: "التاجر فاجر، والفاجر في النّار، إلاّ من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ". (8) وفي رواية عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: "كان أمير المؤمنين (ع) بالكوفة يغتدي كل يوم بكرة من القصر، فيطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدّرة على عاتقه (لمعاقبة المخالفين)، فينادي: يا معشر التجّار اتقوا اللّه عزّوجلّ، فإذا سمعوا صوته (ع) ألقوا ما بأيديهم، وأرعوا إليه بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فيقول (ع) : قدموا الإستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزيّنوا بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وانصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا النّاس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فيطوف (ع) في جميع أسواق الكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس" (9). وبشأن نزول الآيات، قال النّبي الأكرم (ص) : "ولا طففوا الكيل إلاّ منعوا النبات واُخذوا بالسنين". وزبدة ما تقدم: يعتبر التطفيف في الميزان من العوامل الأساسية في عذاب وهلاك بعض الاُمم السالفة، حيث أدى ذلك إلى اختلال النظام الإقتصادي عندهم من جهة، وإلى نزول العذاب الإلهي عليهم من جهة اُخرى. وقد حثّت الرّوايات الواردة في خصوص آداب التجارة على الأخذ ناقصاً والعطاء راجحاً، أي بعكس سلوكية مَن ذمتهم الآيات المبحوثة، فهم يأخذون بدقّة ويعطون ناقصاً. (10) وكما قلنا في تفسير الآية، فثمّة من يذهب إلى أنّ مفهوم التطفيف أوسع من أن يحدد بالكيل والميزان، ويمتد ليشمل أيّ انقاص في عمل، وأيّ تقصير في أداء وظيفة فردية أو اجتماعية أو إلهية. ﴿يوم يقوم الناس لرب العالمين﴾ لحكمه وقد بولغ في تعظيم هذا الذنب بالتوبيخ وذكر الظن ووصف اليوم بالعظيم وقيام الناس فيه لله والتعبير عنه برب العالمين.