لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ونصل لآخر وصف شراب الأبرار في الجنّة: (ومزاجه من تسنيم) أي أنّه ممزوج بالتسنيم، (عيناً يشرب بها المقرّبون) (7). ومن خلال الآيتين أعلاه، يتّضح لنا بأنّ "التسنيم" هو أشرف شراب في الجنّة، و"المقرّبون" يشربون منه بشكل خالص، فيما يشربه "الأبرار" ممزوجاً بالرحيق المختوم. أمّا وجه تسمية ذلك الشراب أو العين بـ "تسنيم"، (علماً بأنّ التسنيم في اللغة هو عين ماء يجري من علو إلى أسفل)، فقد قال البعض فيه: إنّه شراب خاص موجود في الطبقات العليا من الجنّة... وقال آخرون: إنّه نهر يجري في الهواء فينصب في أواني أهل الجنّة. والحقيقة، فللجنّة ألوان من الأشربة، منها ما يجري على صورة أنهار، كما تشير إلى ذلك آيات قرآنية كثيرة (8)، ومنها يُقدّم في كؤوس مختومة، كما في الآيات أعلاه، ويأتي ألـ "تسنيم" في قمّة أشربة الجنّة، وله من العطاء على روح شاربه ما لا يوصف بوصف أبداً. ونعود لنكرر القول مرّة آُخرى: إنّ حقيقة النعم الإلهية في عالم الآخرة لا يمكن لأيّ كان من أن يتكلم عنها بلسان أو يوصفها بقلم أو يتصورها في ذهن، وكلّ ما يقال عنها لا يتعدى عن كونه صوراً تقريبية على ضوء ما يناسب محدودية الإنسان. والآية (17) من سورة السجدة: (فلا تعلم نفس ما اُخفى لهم من قرّة عين) خير دليل على ذلك. بحثان: 1 - من هم "الأبرار" و"المقرّبين"؟ ورد ذكر "الأبرار" و"المقربين" كثيراً في القرآن الكريم، وما آُعدّ لهم من درجة رفيعة وثواب عظيم، حتى أنّ اُولي الألباب تمنوا أن تكون وفاتهم مع الأبرار، كما تقول الآية (193) من سورة آل عمران: (وتوفنا مع الأبرار). وتناولت الآيات (5 - 22) من سورة الدهر ما اُعدّ لهم من ثواب جزيل، كما وتناولت الآية (13) من سورة الإنفطار، والآيات المبحوثة بعض ما ينتظرهم من ألطاف إلهية. فمن هم يا تُرى؟ "الأبرار": هم أصحاب النفوس الزكية الأبية الطاهرة، ومعتنقي العقائد الصائبة، والذين لا يعملون إلاّ ما فيه الخير والصلاح. و"المقربون": هم الذين لهم مقام القربة عند اللّه عزّوجلّ. فبين الأبرار والمقربين عموم وخصوص مطلق، حيث كلّ المقرّبين أبرار، وليس كلّ الأبرار مقرّبين. وروي عن الإمام الحسن المجتبى (ع)، أنّه قال: "كلما في كتاب اللّه عزّوجلّ من قوله: "إنّ الأبرار" فواللّه ما أراد به إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين" (9) وممّا لا يشوبه شك، أنّ الخمسة الطيبة، تلك الأنوار القدسيّة، وهي أفضل مصاديق الأبرار والمقربين. وكما ذكرنا في تفسيرنا لسورة الدهر التي تحدثت بشكل رئيسي عن أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (ع)، وقلنا بأنّ الآيات الثمانية عشر قد تناولت فضائلهم (ع)، ولكن لا يمنع من انطباق على غير الخمسة الطيبة (ع). 2 - خمور الجنّة تبيّن لنا مختلف الآيات في القرآن الكريم أنّ ثمة ألوان من الأشربة والخمور الطاهرة بأسماء وكيفيات مختلفة، تباين خمور أهل الدنيا الملوثة من جميع جهاتها، فهذه: تأخذ بلبّ الإنسان صوب التيه، توصل شاربها لحال الجنون، كريهة الطعم والرائحة، وتزرع عند شاربها العداوة والبغضاء، تؤدي إلى سفك الدماء وتبث الرذيلة والفساد... أمّا تلك: تذكي عقل شاربها وتصفو به، وتزيده نشاطاً وحيوية، ذات عطر لا يوصف وطهارة خالصة، ويغوص شاربها في نشوة روحية نقية راقية. وذكرت السّورة المبحوثة نوعين منها: (الرحيق المختوم) و"التسنيم" في حين ذكرت سورة الدهر أنواعاً اُخرى، وفي سور اُخرى - وقد تعرضنا لها في محلها. وتؤكّد الأحاديث والرّوايات على أنّ تلك الأشربة خالصة لمن تنزّه عن الولوغ في خمور الدنيا الخبيثة. فعن النّبي (ص) أنّه قال لأميرالمؤمنين (ع) : "يا عليّ من ترك الخمر للّه سقاه اللّه من الرحيق المختوم" (10). وفي حديث آخر أنّه (ع) سأله عن هذا الترك أنّه حتى لو كان: "لغير اللّه"؟، قال (ص) : "نعم واللّه، صيانة لنفسه فيشكره اللّه تعالى عن ذلك" (11). نعم، فهؤلاء من اُولي الألباب، الذين تناولت ذكرهم الآية (193) من سورة آل عمران، واُولي الألباب مع الأبرار في تناول تلك الأشربة الطاهرة. وروي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (ع) أنّه قال: "مَن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق المختوم" (12). وجاء في حديث آخر: "مَن صام للّه في يوم صائف، سقاه اللّه من الظمأ من الرحيق المختوم" (13) (ومزاجه) ما يمزج به (من تسنيم) علم عين في الجنة سميت به لرفعة شرابها أو محلها.