لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
{ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ } . ( تفسير معنى الصراط المستقيم : والسبل إليه قريب وبعيد ) : { اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7) } الفاتحة : بيان : معنى الصراط و الهداية : قوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .....} : أما الهداية : فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط . و أما الصراط : فهو و الطريق و السبيل ، قريب المعنى . و قد وصف تعالى : الصراط بالاستقامة . ثم بين : أنه الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله تعالى عليهم . فالصراط : الذي من شأنه ذلك . هو الذي : سئل الهداية إليه . و هو : بمعنى الغاية للعبادة . أي إن العبد : يسأل ربه ، أن تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط . بيان ذلك : أن الله سبحانه قرر في كلامه ، لنوع الإنسان ، بل لجميع من سواه ، سبيلا يسلكون به إليه سبحانه . فقال تعالى : { يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) } الإنشقاق . و قال تعالى : { وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) } التغابن . و قال : { أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) } الشورى . إلى غير ذلك من الآيات . و هي : واضحة الدلالة ، على أن الجميع سالكوا سبيل، و أنهم سائرون إلى الله سبحانه. ثم بين أن السبيل : ليس سبيلا واحدا ، ذا نعت واحد . بل هو منشعب : إلى شعبتين ، منقسم إلى طريقين : فقال : { أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) } يس . فهناك : طريق مستقيم ، و طريق آخر وراءه . و قال تعالى : { فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } البقرة . و قال تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) } غافر . فبين تعالى : أنه قريب من عباده . و أن الطريق : الأقرب إليه تعالى ، طريق عبادته و دعائه . ثم قال تعالى : في وصف الذين لا يؤمنون : { أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) } السجدة . فبين أن غاية : الذين لا يؤمنون ، في مسيرهم و سبيلهم ، بعيدة . فتبين : أن السبيل إلى الله سبيلان : سبيل قريب : و هو سبيل المؤمنين . و سبيل بعيد : و هو سبيل غيرهم . فهذا : نحو اختلاف في السبيل . الميزان في تفسير القرآن ج1ص29 . ﴿اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُستَقِيمَ﴾ التّفسير السير على الصراط المستقيم: بعد أن يقّر الإِنسان بالتسليم لربّ العالمين، ويرتفع إلى مستوى العبودية لله والإِستعانة به تعالى، يتقدّم هذا العبد بأول طلب من بارئه، وهو الهداية إلى الطريق المستقيم، طريق الطّهر والخير، طريق العدل والإِحسان، طريق الإِيمان والعمل الصالح، ليهبه الله نعمة الهداية كما وهبه جميع النعم الاُخرى. الإِنسان في هذه المرحلة مؤمن طبعاً وعارف بربّه، لكنه معرّض دوماً بسبب العوامل المضادة إلى سلب هذه النعمة والإِنحراف عن الصراط المستقيم. من هنا كان عليه لزاماً أن يكرر عشر مرات في اليوم على الأقل طلبه من الله أن يقيه العثرات والإِنحرافات. أضف إلى ما تقدم أن الصراط المستقيم هو دين الله، وله مراتب ودرجات لايستوي في طيّها جميع النّاس، ومهما سما الإِنسان في مراتبه، فثمّة مراتب اُخرى أبعد وأرقى، والانسان المؤمن توّاق دوماً إلى السير الحثيث على هذا السلّم الإِرتقائي، وعليه أن يستمد العون من الله في ذلك. ثمة سؤال يتبادر إلى الإذهان عن سبب طلبنا من الله الهداية إلى الصراط المستقيم، تُرى هل نحن ضالون كي نحتاج إلى هذه الهداية؟ وكيف يصدر مثل هذا الأمر عن المعصومين وهم نموذج الإنسان الكامل؟! وفي الجواب نقول: اولاّ: الإِنسان معرض في كل لحظة إلى خطر التعثر والإِنحراف عن مسير الهداية - كما أشرنا إلى ذلك - ولهذا كان على الإِنسان تفويض أمره إلى الله، والاستمداد منه في تثبيت قدمه على الصراط المستقيم. ينبغي أن نتذكر دائماً أن نعمة الوجود وجميع المواهب الإِلهية، تصلنا من المبدأ العظيم تعالى لحظة بلحظة. وذكرنا من قبل أننا وجميع الموجودات (بلحاظ معين) مثل مصابيح كهربائية. النور المستمر في هذه المصابيح يعود إلى وصول الطاقة إليها من المولد الكهربائي باستمرار. فهذا المولّد ينتج كل لحظة طاقة جديدة ويرسلها عن طريق الأسلاك إلى المصابيح لتتحول إلى نور. وجودنا يشبه نور هذه المصابيح. هذا الوجود، وإن بدا ممتداً مستمراً، هو في الحقيقة وجود متجدّد يصلنا باستمرار من مصدر الوجود الخالق الفيّاض. هذا التجدّد المستمر في الوجود، يتطلب باستمرار هداية جديدة، فلو حدث خلل في الأسلاك المعنوية التي تربطنا بالله، كالظلم والاثم و... فان إرتباطنا بمنبع الهداية سوف ينقطع، وتزيغ أقدامنا فوراً عن الصراط المستقيم. نحن نتضرّع إلى الله في صلواتنا أن لا يعتري إرتباطنا به مثل هذا الخلل، وأن نبقى ثابتين على الصراط المستقيم. ثانياً: الهداية هي السير على طريق التكامل، حيث يقطع فيه الإنسان تدريجياً مراحل النقصان ليصل إلى المراحل العليا. وطريق التكامل - كما هو معلوم - غير محدود، وهو مستمر الى اللانهاية. ممّا تقدّم نفهم سبب تضرّع حتى الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) لله تعالى أن يهديهم ﴿الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، فالكمال المطلق لله تعالى، وجميع ما سواه يسيرون على طريق التكامل، فما الغرابة في أن يطلب المعصومون من ربّهم درجات أعلى؟! نحن نصلّي على محمّد وآل محمّد، والصلاة تعني طلب رحمة إلهية جديدة لمحمّد وآل محمّد، ومقام أعلى لهم. والرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾. والقرآن الكريم يقول: ﴿وَيَزِيدُ اللّهُ الَّذِينَ اهتَدَوا هُدىً﴾. ويقول: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هَدىً وَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾. ولمزيد من التوضيح نذكر الحديثين التاليين: 1 - عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، قال في تفسير ﴿إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: أي: «أَدِمْ لَنَا تَوْفِيقَكَ الَّذِي أَطَعْنَاكَ بِهِ فِي مَا مَضى مِنْ أيَّامِنَا، حَتَّى نُطِيعَكَ في مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا». 2 - وقال الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «يَعْني أرْشِدْنَا لِلزُومِ الطَّريقِ الْمُؤَدّي إلى مَحَبَّتِكَ، وَالْمُبلِّغِ إِلى جَنَتِّكَ، وَالْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبعَ أَهْواءَنَا فَنَعْطَبَ، أو أَنْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلَكَ». ما هو الصّراط المستقيم؟ هذا الصّراط كما يبدو من تفحص آيات الذكر الحكيم هو دين التوحيد والإِلتزام بأوامر الله. ولكنه ورد في القرآن بتعابير مختلفة. فهو الدين القيم ونهج إبراهيم (عليه السلام) ونفي كل أشكال الشّرك كما جاء في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّني هَدَانِي رَبِّي إِلى صِرَاط مُسْتَقِيم دِيناً قَيِّماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، فهذه الآية الشريفة عرّفت الصراط المستقيم من جنبة ايديولوجية. وهو أيضاً رفض عبادة الشيطان والإِتجاه إلى عبادة الله وحده، كما في قوله: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَتَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾، وفيها إشارة إلى الجنبة العملية للدين. أمّا الطريق إلى الصراط المستقيم فيتمّ من خلال الإعتصام بالله: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بَاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾. يلزمنا أن نذكر أنّ الطريق المستقيم هو طريق واحد لا أكثر، لأنه لا يوجد بين نقطتين أكثر من خطّ مستقيم واحد، يشكل أقصر طريق بينهما. من هنا كان الصراط المستقيم في المفهوم القرآني، هو الدين الإِلهي في الجوانب العقائدية والعملية، ذلك لأن هذا الدين أقرب طريق للإِرتباط بالله تعالى. ومن هنا أيضاً فإن الدين الحقيقي واحد لا أكثر ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾. وسنرى فيما بعد - إن شاء الله - أن للإِسلام معنى واسعاً يشمل كل دين توحيدي في عصره، أي قبل أن ينسخ بدين جديد. من هذا يتضح أن التفاسير المختلفة للصراط المستقيم، تعود كلها إلى معنى واحد. فقد قالوا: إنه الإِسلام. وقالوا: إنه القرآن. وقالوا: إنه الأنبياء والأئمة. وقالوا: إنه دين الله، الذي لا يقبل سواه. وكل هذا المعاني تعود إلى نفس الدين الإِلهي في جوانبه الإِعتقادية والعملية. والروايات الموجودة في المصادر الإِسلامية في هذا الحقل، تشير إلى جوانب متعددة من هذه الحقيقة الواحدة، وتعود جميعاً إلى أصل واحد منها: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الأَنْبِيَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ». وعن جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية: (إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، قال: «الطَّرِيقُ هُوَ مَعْرِفَةُ الإِمَامِ». وعنه أيضاً: «واللهِ نَحْنُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقيمُ». وعنه ايضاً: «الصِّرَاطُ الْمُسْتَقيمُ أَميرُ الْمُؤْمِنينَ (عليه السلام) ». ومن الواضح أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّاً (عليه السلام) ، وأئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، دعوا جميعاً إلى دين التوحيد الإِلهي، والإِلتزام به عقائدياً وعملياً. واللافت للنظر، أنّ «الراغب» يقول في مفرداته في معنى الصراط: إنّه الطريق المستقيم، فكلمة الصراط تتضمّن معنى الاستقامة. ووصفه بالمستقيم كذلك تأكيد على هذه الصفة. ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك بعد والهداية والرشاد والتثبت والصراط، الجادة والمستقيم المستوي أي طريق الحق وهو ملة الإسلام.