(وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود).
"الاُخدود": - على قول الراغب في مفرداته - : شقّ في الأرض مستطيل غائص، والجمع أخاديد، وأصل ذلك من "خدّ" الإنسان، وهو تقعر بسيط يكتنف الأنف من اليمين والشمال (وعند البكاء تسيل الدموع من خلاله) ثمّ اطلق مجازاً على الخنادق والحفر في الأرض، ثمّ صار معنى حقيقياً لها.
أمّا مَن هم الذين عذّبوا المؤمنين؟ ومتى؟ فللمفسّرين وأرباب التواريخ آراء مختلفة، سنستعرضها إنشاء اللّه في بحوث قادمة.
ولكنّ القدر المسلم به، إنّهم حفروا خندقاً عظيماً ووجّروه بالنيران، وأوقفوا المؤمنين على حافة الخندق وطلبوا منهم واحداً واحداً بترك إيمانهم والرجوع إلى الكفر، ومَن رفض اُلقي بين ألسنة النيران حياً ليذهب إلى ربّه صابراً محتسباً!
"الوقود": ما يجعل للإشتعال، و"ذات الوقود": إشارة الى كثرة ما فيها من الوقود، وشدّة اشتعالها، فالنّار لا تخلو من وقود، ولعل ما قيل من أن "ذات الوقود" بمعنى ذات اللهب الشديد، يعود للسبب المذكور، وليس كما ذهب به البعض من كون "الوقود" يطلق على معنيين: "الحطب" وعلى "شعلة النّار" أيضاً وتأسفوا لعدم إلتفات المفسّرين لهذه النكتة!
والآيتان: (إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود)، تشيران إلى ذلك الجمع من النّاس الذين حضروا الواقعة، وهم ينظرون إلى ما يحدث بكل تلذذ وبرود وفي منتهى قساوة القلب (سادية) !
وقيل: الإشارة إلى المأمورين بتنفيذ التهديد، وإجبار المؤمنين على ترك إيمانهم.
وقيل أيضاً: إنّهم كانوا فريقين، فريق يباشر التعذيب، وآخر حضر للمشاهدة، وقد اُشرك الجميع في هذا العمل لرضايتهم به.
وهذه صورة طبيعية الوقوع، حيث هناك مَن يأمر (الرؤساء)، ومَن ينفذ (المرؤسون)، وثمّة المشاهدون من غير الآمر والمأمور.
وقيل أيضاً: ثمّة فريق منهم كان مكلفاً بمراقبة عملية التنفيذ لرفع تقاريرهم إلى السلطان عن كيفية أداء المأمورين لواجباتهم السلطانية.
ولا يبعد وجود كلّ ما ذُكر من أصناف في ذلك المشهد المروع، كما وبالإمكان الجمع بين كلَّ الآراء المطروحة.
ومجيء فعل جملة "يفعلون" بصيغة المضارع، للإشارة إلى أنّ ذلك العمل قد استغرق وقتاً طويلاً، وما كان بالحدث السريع العابر.
﴿وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ من طرحهم بالنار إن لم يرجعوا عن الإيمان ﴿شُهُودٌ﴾ حضور أو يشهد بعضهم لبعض أو تشهد جوارحهم يوم القيامة على ذلك.