وتصف لنا الآية التالية ذلك اليوم الذي سيرجع فيه الإنسان: (يوم تبلى السرائر). (9)
"تبلى": من (البلوى)، بمعنى الإختبار والإمتحان، وهو هنا الظهور والبروز، لأنّ الإمتحان يكشف عن حقيقة الأشياء ويظهرها.
"السرائر": جمع (سريرة)، وهي صفات ونوايا الإنسان الداخلية.
نعم، فأسرار الإنسان الدفينة ستظهر في ذلك اليوم، "يوم البروز" و"يوم الظهور"، فسيظهر على الطبيعة كلّ من: الإيمان، الكفر، النفاق، نيّة الخير، نيّة الشر، الإخلاص، الرياء....
وسيكون ذلك الظهور مدعاة فخر ومزيد نعمة للمؤمنين، ومدعاة ذلّة ومهانة وحسرة للمجرمين...وما أشد ما سيلاقي من قضى وطراً من عمره بين النّاس بظاهر حسن ونوايا خبيثة! وما أتعسه حينما تهتك أقنعته المزيفة فيظهر على حقيقته أمام كلّ الخلائق! وربّما ذلك من أشدّ عذاب جهنم عليه...وتصف لنا الآية (41) من سورة الرحمن هيئتهم بالقول: (يعرف المجرمون بسيماهم)، وكذا الآيات (38 - 41) من سورة عبس: (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة).
نعم، فكما إنّ "الطارق" والنجوم الاُخرى تظهر من خفائها ليلاً على صفحة السماء، فكذا حال الإنسان في عرصة يوم القيامة، فالحفظة والمراقبين الإلهيين المكلفين لتسجيل أعمال الإنسان سيظهرون كلّ شيء، كظهور ضوء النجم في الليل الداج.
عن معاذ بن جبل أنّه قال، سألت رسول اللّه (ص) : وما هذه السرائر التي تبلى بها العباد في الآخرة؟
فقال: "سرائركم هي أعمالكم من الصلاة والصيام والزكاة والوضوء والغسل من الجنابة وكلّ مفروض، لأنّ الأعمال كلّها سرائر خفيّة، فإن شاء الرجل قال صليت ولم يصل، وإنّ شاء قال توضيت ولم يتوضأ، فذلك قوله تعالى يوم تبلى السرائر" (10).
﴿ يَوْمَ﴾ ظرف رجعة ﴿تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ تختبر وتظهر الضمائر وخفايا الأعمال من خير وشر.