وتسلّي الآيات التالية قلب النبيّ (ص) والمؤمنين من جهة، وتتوعد أعداء الإسلام من جهة اُخرى: (إنّهم يكيدون كيداً)، فالكفار يخططون من جهة، وأنا أخطط لإحباط تلك الخطط من جهة اُخرى... (وأكيد كيداً). (فمهّل الكافرين أمهلهم رويداً)، حتى يروا عاقبتهم!
نعم، إنّهم دوماً يكيدون في حربك والحرب ضد دينك.
فتارة بالإستهزاء...
واُخرى بالحصار الإقتصادي...
ومرّة بتعذيب المؤمنين...
واُخرى يقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه كي تنتصروا...
ويقولون عنك: ساحراً، كاهناً، مجنوناً...
ويمارسون النفاق: بأن يؤمنوا بك صباحاً ويكفروا مساءً، كي يؤثّروا على البسطاء...
ويقولون لك: أبعد الفقراء والمستضعفين عنك حتى نتّبعك
وأحياناً يقولون: آمن ببعض آلهتنا حتى نؤمن بك...
ويكيدون لإبعادك وقتلك...
والخلاصة: فشغلهم الشاغل هو: التخطيط المستمر لمواجهتك، لتفريق مَن آمن بك، والضغط على أصحابك، أو قتلك لإطفاء نور اللّه بذلك! ولا يعلمون بأنّ اللّه متمُّ نوره ولو كرهوا.
"الكيد" (3) : ضرب من الإحتيال والتغلب على المشكل بتهيئة المقدمات، وفيه جنبة خفية، وقد يكون مذموماً وممدوحاً كقوله تعالى: (كذلك كدنا ليوسف) (4)، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر.
ومراد الآية هو كيد الأعداء كما هو واضح، وقد تعرضنا لبعض نماذجه أعلاه، فيما تناولت هذا الموضوع آيات قرآنية كثيرة.
ولكن... ما المقصود بالكيد الإلهي؟
قيل: إنّه الإمهال الذي ينتهي بالأخذ الشديد والعذاب الأليم.
وقيل أيضاً: إنّه نفس العذاب الذي ينتظرهم.
والأنسب أن يقال: إنّه تلك الألطاف الإلهية التي غمرت النبيّ (ص) ومَن معه من المؤمنين، وما كان يصيب أعداء الإسلام من فشل مخططاتهم وخيبة مساعيهم.
ويحمل التاريخ الإسلامي بين طياته شواهد كثيرة على هذا المعنى.
وتأمر الآيات النبيّ (ص) - على الأخص - بأن يمهلهم ولا يتعجل على عذابهم، وأنّ يتمّ الحجّة عليهم، فعسى أن يعود قسم منهم إلى رشده ويسلم وأساساً فالعجلة لمن يخاف الفوت، وهذا ما لا يصدق على القاهر القادر سبحانه وتعالى.
﴿إِنَّهُمْ﴾ أي الكفار ﴿يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ يحتالون في إبطال أمرك.