لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
تلك الجنّة التي (لهم فيها ما يشاؤون). تلك الجنّة التي سيبقون فيها أبداً (خالدين). أجل، إنّه وعد الله الذي اُخذه على نفسه: (كان على ربّك وعداً مسؤولا). هذا السؤال، وطلب هذه المقايسة، ليس لأن أحداً لديه شك في هذا الأمر، وليس لأن تلك العذابات الأليمة المهولة تستحق الموازنة والمقايسة مع هذه النعم التي لا نظير لها، بل إن هذا النوع من الأسئلة والمطالبة بالمقارنة لأجل إيقاظ الضمائر الهامدة، حيث تجعلها أمام أمر بديهي واحد، وعلى مفترق طريقين: فإذا قالوا في الجواب: إنّ تلك النعم أفضل وأعظم (وهو ما سيقولونه حتماً) فقد حكموا على أنفسهم بأنّ أعمالهم خلاف ذلك. وإذا قالوا: إنّ العذاب أفضل من هذه النعمة، فقد وقّعوا على وثيقة جنونهم، وهذا يشبه ما إذا حذرنا شاباً ترك المدرسة والجامعة بقولنا: اعلم أنّ السجن هو مكان الذين فروا من العلم ووقعوا في أحضان الفساد، ترى السجن أفضل أم الوصول إلى المقامات الرفيعة!؟ ملاحظات 1 - ينبغي الإِلتفات أوّلا إلى هذه النكتة، وهي الايات الكريمة وصفت الجنّة بالخلود تارةً وصفة لأهل الجنّة تارةً أُخرى، ليكون تأكيداً على هذه الحقيقة، وهي كما أن الجنة خالدة، فكذلك ساكنوها. 2 - قوله تعالى (لهم فيها ما يشاؤون) جاءت في مقابل حال الجهنميين في الآية (54) من سورة سبأ (وحيل بينهم وبين ما يشتهون). 3 - التعبير بـ "مصير" بعد كلمة "جزاء" بالنسبة إلى الجنّة، كله تأكيد على ما يدخل في مفهوم الجزاء، وهو بجميعه نقطة مقابلة إزاء مكان أهل النّار، حيث ورد في الآيات السابقة أنّهم يلقون في مكان ضيق محدود مقرنين بالأصفاد. 4 - قوله تعالى (كان على ربك وعداً مسؤولا) إشارة إلى أن المؤمنين كانوا في أدعيتهم يطلبون من الله الجنّة وجميع نعمها، فهم السائلون، والله "المسؤول منه" كما نقرأ قول المؤمنين في الآية (194) من سورة آل عمران (ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك...) ، لسان حال جميع المؤمنين أيضاً، إنّهم يطلبون هذا الطلب من الله، لأن لسان حال كل من يطيع أمره تبارك وتعالى أن يطلب ذلك. والملائكة كذلك يسألون الله الجنّة والخلود للمؤمنين، كما نقرأ في الآية (الثامنة) من سورة المؤمن: (ربّنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم...). و يوجد هنا تفسير آخر، وهو أنّ كلمة (مسؤولا) تأكيد على هذا الوعد الإِلهي، الحتمي، يعني أنّ هذا الوعد على قدر عظيم من القطع بحيث أنّ المؤمنين يستطيعون أن يطالبوا الله به، وهذا يشبه ما إذا أعطينا وعداً لأحد، وأعطيناه - في الضمن - الحقَ في أن يطالبنا به. قطعاً لا يوجد أي مانع من أن تجتمع كل هذه المعاني في المفهوم الواسع لـ (مسؤولا). 5 - بالإِلتفات إلى قوله تعالى (لهم فيها ما يشاؤون) ينشأ لدى البعض هذه السؤال: إذا أخذنا في الإِعتبار المفهوم الواسع لهذه العبارة، فنتيجة هذا أن أهل الجنّة إذا أرادوا مقام الأنبياء والأولياء يعطى لهم، مثلا، أو إذا طلبوا نجاة أقربائهم وأصدقائهم المذنبين المستحقين لجهنم، يعطون سؤلهم، وما سوى هذه الرغبات؟! و يتّضح الجواب مع الإِلتفات إلى هذه النكتة، وهو أنّ الحجب تزول عن أعين أهل الجنّة فيدركون الحقائق جيداً، ويتّضح تناسبها في نظرهم كاملا، إنّهم لا يخطر ببالهم أبداً أن يطلبوا من الله طلبات كهذه، وهذا يشبه تماماً أن نطلب في الدنيا من طفل في الإِبتدائية أن يكون اُستاذاً في الجامعة، أو أن يكون لصٌ مجرم قاضيَ محكمة... ترى هل تخطر مثل هذه الأُمور في فكر أي عاقل في الدنيا!؟ وفي الجنّة أيضاً كذلك، فضلا عن هذا فإنّ كلَّ إرادتهم في طول إرادة الله، وإنَّ ما يريدونه هو ما يريده الله. ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ﴾ من النعيم ﴿خَالِدِينَ﴾ حال لازمة ﴿كَانَ﴾ ما يشاءون ﴿عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا﴾ موعودا واجبا عليه إنجازه ﴿مَسْؤُولًا﴾ يسأله الناس بقولهم ربنا وآتنا ما وعدتنا والملائكة بقولهم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم أو من حقه أن يسأل.