وفي الآيتين التاليتين... يأتي الإستثناء ونتيجته: (إلاّ مَن تولى وكفر)... (فيعذبه اللّه العذاب الأكبر).
ولكن، إلى أية جملة يعود الإستثناء؟
ثمّة تفاسير مختلفة في ذلك:
الأوّل:إنّه استثناء لمفعول الجملة "فذكّر"، أي: لا ضرورة لتذكير المعاندين الذين رفضوا الحق جملة وتفصيلا، كما جاء في الآية (83) من سورة الزخرف: (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون).
الثّاني: إنّه استثناء لجملة محذوفة، والتقدير: فذكّر إنّ الذكرى تنفع الجميع إلاّ من تولى وكفر، كما جاء في الآية (رقم 9) من سورة الأعلى: (فذكّر إن نفعت الذكرى)، (على أن يكون لها معناً شرطياً).
الثّالث: إنّه استثناء من الضمير "عليهم" في الآية السابقة، أي: (إنّك لست عليهم بمصيطر إلاّ مَن تولّى وكفر فأنت مأمور بمواجهاه). (2)
كلُّ ما ذُكِر من تفاسير مبنيٌّ على أنّ الإستثناء متصل، ولكن ثمّة من يقول بأنّ الإستثناء منقطع، فيكون معناه بما يقارب معنى (بل)، فيصبح معنى الجملة: (بل مَن تولّى وكفر فإنّ اللّه متسلط عليهم) أو (إنّه سيعاقبهم بالعذاب الأكبر).
ومن بين هذه التفاسير، ثمّة تفسيران مناسبان.
الأوّل: القائل بالإستثناء المتصل لجملة (لست عليهم بمصيطر) فيكون إشارة لاستعمال القوّة في مواجهة مَن تولى وكفر.
الثّاني: القائل بالإستثناء المنفصل، أيّ، سينالهم العذاب الأليم، الذي ينتظر المعاندين والكافرين.
ويراد بـ (العذاب الأكبر) "عذاب الآخرة" الذي يقابل عذاب الدنيا الصغير نسبة لحجم وسعة عذاب الآخرة، بقرينة الآية (26) من سورة الزمر: (فأذاقهم اللّه الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر).
وكذلك يحتمل إرادة نوع شديد من عذاب الآخرة، لأنّ عذاب جهنم ليس بمتساو للجميع.
﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴾ في الآخرة.