التّفسير:
والفجر...!
بدأت السّورة بخمسة أقسام:
الأوّل: (والفجر)... والثّاني: (وليال عشر).
"الفجر": في الأصل، بمعنى الشقّ الواسع، وقيل للصبح "الفجر" لأنّ نوره يشقّ ظلمة الليل.
وكما هو معلوم فالفجر فجران، كاذب وصادق.
الفجر الكاذب: هو الخيط الأبيض الطويل الذي يظهر في السماء، ويشبّه بذنب الثعلب، تكون نقطة نهايته في الاُفق، وقسمه العريض في وسط السماء.
الفجر الصادق: هو النور الذي يبدأ من الاُفق فينتشر، وله نورانية وشفافية خاصة، كنهر من الماء الزلال يغطي اُفق الشرق ثمّ ينتشر في السماء.
ويعلن الفجر الصادق عن انتهاء الليل وابتداء النهار، وعنده يمسك الصائمون، وتصلى فريضة الصبح.
وفُسّر "الفجر" في الآية بمعناه المطلق، أي: بياض الصبح.
ولا شك فهو من آيات عظمة اللّه سبحانه وتعالى، ويمثل انعطافاً في حركة حياة الموجودات الموجودة على سطح الأرض، ومنها الإنسان، ويمثل كذلك حاكمية النور على الظلام، وعند مجيئه تشرع الكائنات الحية بالحركة والعمل، ويعلن انتهاء فترة النوم والسكون.
وقد أقسم اللّه تعالى ببداية حياة اليوم الجديد.
وفسّره بعض، بفجر أوّل يوم من محرم وبداية السنة الجديدة.
وفَسّره آخرون، بفجر يوم عيد الأضحى، لما فيه من مراسم الحج المهمّة ولإتصاله بالليالي العشرة الاُولى من ذي الحجّة.
وقيل أيضاً: إنّه فجر أوّل شهر رمضان المبارك، أو فجر يوم الجمعة.
ولكنّ مفهوم الآية أوسع من أن تحدد بمصداق من مصاديقها، فهي تضم كلّ ما ذكر.
وذهب البعض إلى أوسع ممّا ذكر حينما قالوا: هو كلّ نور يشع وسط ظلام... وعليه، فبزوغ نور الإسلام ونور المصطفى (ص) في ظلام عصر الجاهلية هومن مصاديق الفجر، وكذا بزوغ نور قيام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) في وسط ظلام العالم (كما جاء في بعض الرّوايات) (1).
ومن مصاديقه أيضاً، ثورة الحسين (ع) في كربلاء الدامية، لشقها ظلمة ظلام بني اُميّة، وتعرية نظامهم الحاكم بوجهه الحقيقي أمام النّاس.
ويكون من مصاديقه، كلّ ثورة قامت أو تقوم على الكفر والجهل والظلم على مرّ التاريخ.
وحتى انقداح أوّل شرارة يقظة في قلوب المذنبين المظلمة تدعوهم إلى التوبة، فهو "فجر".
وممّا لا شك فيه أنّ المعاني هي توسعة لمفهوم الآية، أمّا ظاهرها فيدل على "الفجر" المعهود.
والمشهور عن "ليال عشر": إنّهن ليالي أوّل ذي الحجّة، التي تشهد أكبر اجتماع عبادي سياسي لمسلمي العالم من كافة أقطار الأرض، (وورد هذا المعنى فيما رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن النّبي (ص) (2).
وقيل: ليالي أوّل شهر محرم الحرام.
وقيل أيضاً: ليالي آخر شهر رمضان، لوجود ليلة القدر فيها.
والجمع بين كلّ ما ذُكر ممكن جدّاً.
وذكر في بعض الرّوايات التي تفسّر باطن القرآن: إنّ "الفجر" هو "المهدي" المنتظر" "عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف"... و"ليال عشر" هم الأئمّة العشر قبله (ع)... و"الشفع" - في الآية - هما عليّ وفاطمة (عليهما السلام).
وعلى أيّة حال، فالقسم بهذه الليالي يدّل على أهميتها الإستثنائية نسبة لبقية الليالي، وهذا هو شأن القسم (3)، ولا مانع من الجمع بين كلّ ما ذكر من معان.
﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ أي عشر ذي الحجة أو عشر رمضان الأخيرة ونكرت تعظيما.