ونصل هنا، إلى القسم الخامس: (والليل إذا يسر) (9).
فما أدّق هذا التعبير وأجمله؟!
فقد نسب السير إلى الليل، وذلك لأنّ "يسر" من (سرى) وهو السير ليلاً على قول الراغب في مفرداته.
وكأنّ الوصف يقول: بأنّ الليل موجود حسي، له حس وحركة، وهو يخطو في ظلمته وصولاً لنور النهار.
نعم، قسماً بالظلام السائر نحو النور، قسماً بالظلام المتحرك، لا الثابت الذي يثير الخوف والرعب في الانسان، والليل يكون ذا قيمة فيما لو كان سائراً نحو النور.
وقيل: هو ظلمة الليل التي تتحرك على سطح الكرة الأرضية، والليل نافع بحركته وتناوبه مع النهار على سطح الأرض، لينعم نصفها بالسبات والنوم، وينعم النصف الآخر بالحركة والعمل تحت نور الشمس الرائع.
اختلف المفسّرون في مراد الآية من "الليل"، هل هو مطلق الليل أم ليلة مخصوصة، فإن كانت الألف واللام للتعميم فجميع الليالي، كآية من آيات اللّه ومظهر من مظاهر الحياة المهمّة.
وإن كانت الألف واللام للتعريف، فليلة عيد الأضحى، بلحاظ الآيات السابقة، حيث يتجه حجاج بيت اللّه الحرام من (عرفات) إلى (المزدلفة) - المشعر الحرام - ويقضون ليلهم في ذلك الوادي المقدس، وعند الصبح يتجهون نحو (منى). (وقد ورد في هذا روايات عن أئمّة أهل البيت (ع) (10).
والذين حضروا مثل تلك الليلة في عرفات ومشعر، قد رأوا كيف يتحرك أكثر من مليون مسلم وهم متجهون من عرفات إلى المشعر وكأن الليل بكلّه يتحرك وتشاطره في ذلك الأرض وكذا الزمان.
وهناك يتلمس الإنسان معنى (والليل إذا يسر) بكلّ دقائقه.
وعلى أيّة حال، فالليل سواء كان بمعناه المطلق أم المحدد فهو من آيات عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وهو من الضرورات الحياتية في عالم الوجود.
فالليل يكيّف حرارة الجو، ويعم على جميع الكائنات الإستقرار والسكون بعد جهد الحركة والتنقل، وفوق هذا وذاك ففيه أفضل أوقات الدعاء والمناجات مع اللّه جّل وعلا.
وأمّا ليلة عيد الأضحى (ليلة الجمع) فهي من أعجب الليالي في ذلك الوادي المقدس (المشعر الحرام).
وتتجسد تلك العلاقة الموجودة بين الأشياء الخمس التي أقسم بها (الفجر، ليال عشر، الشفع، الوتر، الليل إذا يسر) إذا ما اعتبرناها ضمن أيّام ذي الحجّة ومراسم الحج العظيمة.
وفي غير هذا فسيكون إشارة إلى مجموعة من حوادث عالم التكوين والتشريع المهمّة، والتي تبيّن جلال وعظمة الخالق سبحانه وتعالى.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ يمضي كإذ أدبر أو يسري فيه وحذف الياء اكتفاء بالكسرة