وتذكر الآية التالية جمع آخر من الطغاة السابقين: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد)، وصنعوا منها البيوت والقصور.
"ثمود": من أقدم الأقوام، ونبيّهم صالح (ع)، وكانوا يعيشون في (وادي القرى) بين المدينة والشام، وكانوا يعيشون حياة مرفهة، ومدنهم عامرة.
و قيل: "ثمود" اسم جدّ القبيلة، وقد سميت به (4).
"جابوا": من (الجوبة) - على زنة توبة - وهي الأرض المقطوعة، ثمّ استعملت في قطع كلّ أرض، وجواب كلام، هو ما يقطع الهواء فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع، (أو لأنّه يقطع السؤال وينهيه).
وعلى أيّة حال، فمراد الآية: قطع أجزاء الجبال وبناء البيوت القوية، كما أشارت إلى ذلك الآية (82) من سورة الحجر - حول ثمود أنفسهم - : (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين)، والآية (149) من سورة الشعراء، والتي جاء فيها: (...بيوتاً فارهين).
وقيل: قوم ثمود أوّل من قطع الأحجار من الجبال، وصنع البيوت المحكمة في قلبها.
"واد": في الأصل (وادي)، وهو الموضع الذي يجري فيه النهر، ومنه سمي المفرج بين الجبلين وادياً، لأنّ الماء يسيل فيه.
والمعنى الثّاني أكثر مناسبة بقرينة ما ورد في القرآن من آيات تتحدث عن هؤلاء القوم، وما ذكرناه آنفاً يظهر بأنّهم كانوا ينحتون بيوتهم في سفوح الجبال (5).
وروي: إنّ النّبي الأكرم (ص) عندما وصل إلى وادي ثمود - شمال الجزيرة العربية - في طريقه إلى تبوك، قال وهو راكب على فرسه: "أسرعوا، فهي أرض ملعونة" (6).
ممّا لا شكّ فيه أنّ ثمود قوم قد وصلوا إلى أعلى درجات التمدن في زمانهم، ولكنّ ما يذكر عنهم في بعض كتب التّفسير، يبدو وكأنّه مبالغ فيه أو اسطورة، كأن يقولوا: إنّهم بنوا ألفاً وسبعمائة مدينة من الحجر!
﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ﴾ قطعوه ونحتوه بيوتا ﴿بِالْوَادِ﴾ وادي القرى.