وتقول الآية التالية: (وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى).
وما نستنبطه من الآية، إنّ جهنم قابلة للحركة، فتقرب للمجرمين، كما هو حال حركة الجنّة للمتقين: (واُزلفت الجنّة للمتقين) (3).
وثمّة مَن يعطي للآية معنىً مجازياً، ويعتبرها كناية عن ظهور الجنّة والنّار أمام أعين المحسنين والمسيئين.
ولكن، لا دليل على الأخذ بخلاف الظاهر، ومن الأفضل التعامل مع ظاهر الآية، لأنّ حقائق عالم القيامة لا يمكن فهمها وتصورها بشكل دقيق لمحدودية عالمنا أمام ذلك العالم من جهة؟ ولاختلاف القوانين والسنن التي تحكم ذلك العالم من جهة اُخرى... ثمّ، ما المانع في تحرك كلّ من الجنّة والنّار في ذلك اليوم؟
وروي: لمّا نزلت هذه الآية، تغيّر وجه رسول اللّه (ص)، وعُرِفَ في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه ما رأوا من حاله، وانطلق بعضهم إلى علي بن أبي طالب (ع) فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في نبيّ اللّه، فجاء علي (ع) فاحتضنه ثمّ قال: "يا نبيّ اللّه بأبي أنت واُمي، ما الذي حدث اليوم؟".
قال: "جاء جبرائيل (ع) فأقرأني (وجيء يومئذ بجهنّم).
قال: فقلت: كيف يجاء بهم؟
قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثمّ أتعرض لجهنم، فتقول: ما لي ولك يا محمّد، فقد حرّم اللّه لحمك عليَّ، فلا يبقى أحد إلاّ قال: نفسي نفسي، وإنّ محمّداً يقول: ربِّ أُمّتي أُمّتي". (4)
نعم، فحينما يرى المذنب كلّ تلك الحوادث تهتز فرائصه ويتزلزل رعباً، فيستيقظ من غفلته ويعيش حالة الهمّ والغمّ، ويتحسر على كلّ لحظة مرّت من حياته بعدما يرى ما قدّمت يداه، ولكن.
هل للحسرة حينها من فائدة؟!
وكم سيتمنى المذنب لو تسنح له الفرصة ثانية للرجوع إلى الدنيا وإصلاح ما أفسد، ولكنّه سيرى أبواب العودة مغلقة، ولا من مخرج !...
ويودّ التوبة... وهل للتوبة من معنى بعد غلق أبوابها؟!
ويريد أن يعمل صالحاً... ولكن أين؟ فقد طويت صحائف الأعمال، ويومها يوم حساب بلا عمل!...
﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك لها تغيظ وزفير ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ﴾ سيئاته أو يتعظ ﴿وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ أي منفعتها.