لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وما المقصود من العقبة؟ الآيات التالية تفسّرها: (وما أدراك ما العقبة؟ فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة). من هنا فالعقبة التي لم يتهيأ الكافرون بأنعم اللّه لإجتيازها هي: فك رقبة عبد من الرقبة أي تحريره أو إطعام في يوم الضائقة الإقتصادية والمجاعة، يتيماً ذا قربى أو فقيراً قد لصق بالتراب من شدّة فقره، العقبة هي مجموعة أعمال الخير التي تتجه لخدمة النّاس والأخذ بيد الضعفاء والمعوزين، كما إنّها أيضاً مجموعة من المعتقدات الصحيحة الخالصة تشير إليها الآيات التالية. نعم، إن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير لما لأغلب النّاس من التصاق بالمال والثروة. ليس الإسلام والإيمان بالقول والإدعاء، بل أمام كلّ إنسان مسلم ومؤمن عقبات يجب أن يجتازها الواحدة بعد الاُخرى، مستمداً العون من اللّه سبحانه ومن روح الإيمان والإخلاص. بعضهم ذهب إلى أنّ "العقبة" هنا تعني أهواء النفس التي حثّ الرّسول الأكرم (ص) على مقاومتها ومجاهدتها، ويسمى ذلك "الجهاد الأكبر"، واستناداً إلى هذا التّفسير يكون فك الرقبة وإطعام المسكين من المصاديق البارزة لإجتياز عقبة هوى النفس. ومن المفسّرين من قال إنّ "العقبة" هي الصراط الصعب يوم القيامة، كما جاء في حديث رسول اللّه (ص) : "إن أمامكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون، وأنا أريد أن أخفف عنكم لتلك العقبة" (2) وهذا الحديث طبعاً لايمكن أن يكون تفسيراً للآية، غير أن بعض المفسّرين فهموا منه ذلك، وهذا الفهم لا يتناسب مع التّفسير الصريح لكلمة "العقبة" في الآيات التالية، إلاّ إذا اعتبرنا العقبة الكؤود يوم القيامة تجسيداً للطاعات الثقيلة الصعبة في هذا العالم، واجتياز تلك العقبات فرع لإجتياز هذه الطاعات "تأمل بدقّة". تعبير "اقتحم" في الآية اصله من "الإقتحام" وهو الدخول في عمل صعب مخيف (مفردات الراغب)، أو الولوج والعبور بشدّة ومشقّة (تفسير الكشّاف) وهذا يعني أن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير، كما أنّه تأكيد على ما ورد في أوّل السّورة بشأن ما يكابد الإنسان في حياته: (لقد خلقنا الإنسان في كبد). وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "إنّ الجنّة حفت بالمكاره وإنّ النّار حفت بالشهوات" (3). بحوث وهنا يلزم الإلتفات إلى عدّة ملاحظات: 1 - المقصود من "فك رقبة" على الظاهر هو تحرير العبد والرقيق. روي أنّ أعرابياً جاء إلى النّبي (ص) فقال: يا رسول اللّه علمني عملاً يدخلني الجنّة. أجابه رسول اللّه (ص) : "إن كنت أقصرت الخطبة لقد عرضت المسألة (1) اعتق النسمة وفك الرقبة". فقال الأعرابي: أوَليسا واحداً؟! قال: "لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها" ثمّ قال: "والفيء على ذي الرحم الظالم، فإنّ لم يكن ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإنّ لم تطق ذلك، فكفّ لسانك إلاّ من الخير" (2). 2 - قال بعض المفسّرين أن معنى "فك رقبة" تحرير الفرد رقبته من الذنوب بالتوبة، أو تحرير نفسه من العذاب الإلهي بتحمل الطاعات، غير أن ما جاء في الآيات التالية من توصية باليتيم والمسكين يؤيد أن المقصود هو تحرير رقبة العبد. 3 - "المسغبة" من "سغب" على وزن "غضب" وهو الجوع، و"يوم ذي مسغبة" أي وقت المجاعة، والجياع موجودون في المجتمع عادة، والآية إنّما تؤكّد على إطعامهم في زمان المجاعة لأهمية الموضوع، وإلاّ فإنّ الجياع هو دائماً من أفضل الأعمال. وروي عن النّبي (ص) قال: "من أشبع جائعاً في يوم سغب ادخله اللّه يوم القيامة من باب من أبواب الجنّة لا يدخلها إلاّ من فعل مثل ما فعل" (3). 4 - "المقربة" بمعنى القرابة والرحم، والتأكيد على الأقرباء من اليتامى في الآية إنّما هو لمراعاة الأولوية وللتأكيد على تصاعد المسؤولية تجاههم، لا لحصر الإطعام بهذا القسم من اليتامى. ثمّ إنّ غمط حقوق اليتامى في ذلك العصر خاصة على يد الأقرباء استدعى التحذير من هذه العقبة بالذات. وذهب "أبو الفتوح الرازي" إلى أنّ "المقربة" ليست من القرابة، بل من "القرب" إشارة إلى التصاق بطون الجياع من شدّة الجوع (4). ونستبعد كثيراً هذا المعنى في تفسير الآية. 5 - "المتربة" مصدر ميمي من "ترب"، وساكن التراب من شدّة فقره هو ذو المتربة، والتأكيد على هذا النمط من المساكين لأولويتهم أيضاً، إذ إطعام أي مسكين عمل مستحسن. وروي أنّ الإمام علي بن موسى الرضا (ع) إذا أكل أتى بصحفة فتوضع قرب مائدته، فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به فيأخذ من كلّ شيء شيئاً فيضع في تلك الصفحة ثمّ يأمر بها للمساكين، ثمّ يتلو هذه الآية: (فلا اقتحم العقبة) ثمّ يقول: "علم اللّه عزّوجلّ أنّه ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنّة" (5). ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ وهي الطريق في الجبل استعيرت لما فسرت به