لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ يعرج السياق القرآني على المجموعة المخالفة فيقول: (وقد خاب من دسّاها). "خاب": من الخيبة، وهي فوت الطلب، كما يقول الراغب في المفردات والحرمان والخسران. "دسّاها" من مادة "دس" وهي في الأصل بمعنى إدخال الشيء قسراً، وجاء في الآية (59) من سورة النحل قوله سبحانه: (أم يدسّه في التراب)، إشارة إلى عادة الجاهليين في وأد البنات، أي إدخالهن في التراب كرهاً وقسراً ومنه "الدسيسة" التي تقال للأعمال الخفية والضارة. وما هي المناسبة بين معنى الدسّ، وقوله سبحانه: (وقد خاب من دسّاها). قيل: إنّ هذا التعبير كناية عن الفسق والذنوب، فأهل التقوى والصلاح يظهرون أنفسهم، بينما المذنبون يخفونها، ويذكر أنّ العرب الكرماء جرت عادتهم على نصب خيامهم على المرتفعات، وإشعال النيران قربها في الليل، لتكون بادية للمارّة ليل نهار، بينما أهل البخل واللؤم يقبعون في المنخفضات كي لا يأتيهم أحد. وقيل: إنّ المقصود اندساس المذنبين بين صفوف الصالحين. وقيل: إنّ المذنب يدس نفسه أو هويته الإنسانية في المعاصي والذنوب. وقيل: إنّه يخفي المعاصي والذنوب في نفسه. والتعبير - على كل حال - كناية عن التلوث بالذنوب والمعاصي والخصائل الشيطانية، وبذلك يقع في المنطقة المقابلة للتزكية. والآية تحتمل في مفهومها الواسع كلّ هذه المعاني. وبهذا المعيار يتمّ تمييز الفائزين عن الفاشلين في ساحة الحياة. "تزكية النفس وتنميتها بروح التقوى وطاعة اللّه" أو "تلوثها بأنواع المعاصي والذنوب". الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) قالا في تفسير الآية الكريمة: "قد أفلح من أطاع وخاب من عصى" (3). وعن رسول اللّه (ص) قال حين تلا الآية: "اللّهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وزكّها أنت خير من زكّاها" (4). وهذا الحديث يدل على أن اجتياز تعاريج المسيرة الحياتية والعبور من العقبة لا يتيسّر حتى لرسول اللّه (ص) إلاّ بتوفيق اللّه تعالى، أي لا يتيسّر إلاّ بعزم العبد وتأييد الباري، ولذلك ورد في حديث آخر عن الرسول الأعظم (ص) في تفسير الآيتين قوله: "أفلحت نفس زكّاها اللّه وخابت نفس خيبها اللّه من كلّ خير" (5). ملاحظات 1 - ارتباط القسم القرآني بجواب القسم ما الإرتباط بين هذه الأقسام الأحد عشر المتتالية في السّورة، وبين الحقيقة التي جاءت الأقسام لتأكيدها؟ يظهر أنّ اللّه سبحانه وتعالى يريد أن يقول لعباده: إنّي وفرت لكم كلّ الوسائل المادية والمعنوية لسعادتكم، فبنور الشمس والقمر أضأت لكم الحياة وباركتها ونظمت لكم الليل والنهار والحركة والسكون، ومهدّت الأرض لحياتكم. ومن جهة اُخرى، خلقت أنفسكم بكلّ الكفاءات اللازمة، ووهبتكم الضمير اليقظ، والهمتكم معرفة حسن الاُمور وقبحها، فلا ينقصكم شيء إذن لطيّ طريق السعادة، لماذا إذن - مع كلّ هذا - لا تزكون أنفسكم وتستسلمون للدسائس الشيطانية؟ 2 - دور الشمس في عالم الحياة الحديث عن الشمس - وهي مركز المنظومة الشمسية وأميرة كواكبها - يدور تارة حول عظمتها وهو ما تطرقنا إليه سابقاً، وتارة اُخرى حول بركاتها وآثارها، وهذا ما سنعرض له بتلخيص في النقاط التالية: 1 - حياة البشر وجميع الموجودات الحية الأُخرى بحاجة في الدرجة الاُولى إلى الحرارة والنور، والحاجة إلى هذين الأمرين الحياتيين تؤمنها بشكل كامل متعادل هذه الكرة العظيمة المتوهجة. 2 - جميع المواد الغذائية يتمّ إعدادها بوسيلة نور الشمس، حتى الأحياء في قاع البحار والمحيطات تتغذى على النباتات التي تنمو على سطح المحيطات أو في خضمّ الأمواج مستفيدة من نور الشمس ثمّ تترسب إلى القيعان. 3 - كل الألوان ومظاهر الجمال المشهودة في الطبيعة ترتبط بشكل من الأشكال بنور الشمس، وهذه مسألة علمية ثابتة وخاصّة في الفيزياء. ﴿وَقَدْ خَابَ﴾ خسر ﴿مَن دَسَّاهَا﴾ أخفاها بالمعصية أو بها وبالجهل.