بعد ذلك يتناول القرآن الكريم أوضح علائم ذلك اليوم فيقول: (الملك يومئذ الحق للرحمن).
حتى أُولئك الذين كان لهم في هذا العالم نوع من الملك المجازي والمحدود والفاني والسريع الزوال، يخرجون أيضاً من دائرة الملك، فتكون الحاكمية من كلّ النواحي وجميع الجهات لذاته المقدسة خاصّة، وبهذا (وكان يوماً على الكافرين عسيراً).
نعم، في ذلك اليوم تزول القوى الكاذبة تماماً، وتكون الحاكمية لله خاصّة، فتتداعى قلاع الكافرين، وتزول قوى الجبابرة والطواغيت، وإن كانوا جميعاً في هذا العالم - أيضاً - لا شيء أمام إرادته تبارك وتعالى. واذا كان لهم في هذه الدنيا بهرجة، فبأي ملاذ يلوذون من الجزاء الإلهي في يوم القيامة، يوم انكشاف الحقائق وزوال المجازات والخيالات والأوهام، ولهذا سيكون ذلك اليوم يوماً بالغ الصعوبة عليهم، في الوقت الذي يكون على المؤمنين سهلا يسيراً وهيناً جدّاً.
في حديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(ص) (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فقلت: ما أطول هذا اليوم!؟ فقال النّبي(ص) "والذي نفسي بيده إنّه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخفَّ عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا".(5)
والتأمل الدقيق في سائر آيات القرآن يكشف عن دلائل صعوبة ذلك اليوم على الكافرين، ذلك أنّنا نقرأ من جهة (و تقطعت بهم الأسباب).(6)
و من جهة أخرى (ما أغنى عنه ماله وما كسب).(7)
و من جهة ثالثة (يوم لا يُغني مولى عن مولى شيئاً).(8)
حتى الشفاعة التي هي وحدها طريق النجاة، تكون للمذنبين الذين كانت لهم صلة بالله وبأولياء الله (من ذا الذي يشفع عنده إلابإذنه).(9)
وايضاً (فلا يؤذن لهم فيعتذرون) ،(10) فلا يسمح لهم بالاعتذار، فما بالك بقبول الاعذار الواهية!!
﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ الثابت له لزوال كل ملك يومئذ إلا ملكه ﴿وَكَانَ﴾ اليوم ﴿يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ لا المؤمنين ﴿عَسِيرًا﴾ شديدا