ثمّ يأتي القسم التالي بهذه العاديات التي توري النيران بحوافرها:
(فالموريات قدحاً).
وهي خيل المجاهدين التي تجري بسرعة فائقة في ميدان القتال، بحيث تنقدح النّار من تحت أرجلها جرّاء احتكاك حوافرها بصخور الأرض.
أو هي الإِبل التي تجري بين مواقف الحج، فتتطاير الحصى والحجارة من تحت أرجلها وترتطم بحصى وحجارة أُخرى فتنقدح النيران.
أو مجاميع الحجيج التي توري النّار في المواقف للطعام.
أو كناية عن الذين يضرمون نيران الحرب والجهاد.
أو الألسن التي تشعل النّار في قلب الأعداء ببيانها القامع.
أو إنّها - كما يقول بعض المفسّرين - المجموعة الساعية في رفع حاجات النّاس، مؤدية أهدافها.
ويقال للمنجح في حاجته: ورى زنده.
ظاهر الآية يؤيد التّفسيرين الأولين، وبقية التفاسير يبدو أنّها بعيدة.
"الموريات" جمع "مورية"، والإِيراء يعني أضرام النّار، و"القدح" ضرب الحجارة أو الخشب أو الحديد بما يشبهه لتوليد النّار.
والقسم الثّالث بالتي تغير صباحاً على الأعداء: (فالمغيرات صبحاً).
وكانت العرب - كما يقول الطبرسي في مجمع البيان - تقترب ليلا من منطقة العدو وتكمن له، وتشّن غارتها في الصباح.
وفي سبب نزول الآية (أو أحد مصاديقها الواضحة) رأينا أن جيوش المسلمين بقيادة علي (ع) استفادت من ظلام الليل، واتجهت نحو معسكر الأعداء، وكمنت له، ثمّ شنت غارتها في الصباح كالصاعقة.
ودحرت العدّو قبل أن يبدي مقاومة.
ولو اعتبرنا القسم بإبل الحجاج، فالمغيرات في الآية هي قوافل الإِبل في صباح العيد من المشعر إلى منى.
"المغيرات" جمع "مغيرة".
والإِغارة: الهجوم على العدو، وقيل إن الكلمة تتضمّن معنى الهجوم بالخيل، ولكن موارد استعمالها يبيّن أن هذا القيد - إن كان موجوداً في الأصل - فقد حذف بالتدريج.
وما أورده بعضهم من احتمال أن تكون "المغيرات" هي القبائل المهاجمة المتجهة إلى ميدان القتال، أو المسرعة إلى منى، فبعيد، لأن الآية: (والعاديات ضبحاً) هي بالتأكيد وصف للخيل أو الإِبل، لا أصحابها.
وهذه الآية استمرار لتلك.
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ الخيل توري النار ﴿قَدْحًا﴾ بحوافرها.