وفي آخر خصائص هذه "المغيرات" تذكر الآية أنّها ظهرت بين الإعداء في الفجر: (فوسطن به جمعاً). (5)
هجومها كان مباغتاً خاطفاً بحيث استطاعت خلال لحظات أن تشق صفوف العدّو وتشن حملتها في قلبه، وتُشّتت جمعَه.
وهذا نتيجة ما تتحلّى به من سرعة ويقظة واستعداد وشهامة وشجاعة.
أو إنّها إشارة إلى ورود الحجاج من المشعر إلى قلب منى.
وقيل إنّ المقصود محاصرة الأعداء.
وهذا يصحّ لو كان الفعل "فوسّطن" بتشديد السين، والقراءة المشهورة ليست كذلك.
فالصحيح هو المعنى الأوّل.
نستخلص ممّا سبق أن القَسَم في الآيات بهذه الخيول التي هي أولا تسرع إلى ميدان الجهاد بنَفَس شديد، ثمّ تزيد سرعتها حتى يتطاير الشرر من تحت حوافرها فيشقّ عتمة الليل... وبعدها تقترب من منطقة العدو، فتباغته، وعند انبلاج عتمة الليل تشنّ هجوماً شديداً يثير الغبار في كل جانب، ثمّ تتوغل إلى قلب العدّو وتشتت صفوفه.
القسم إذن - بهذه الخيول المقتدرة!... بفرسانها الشجعان!... بأنفاس مركب المجاهدين!... بشرارات النيران المتطايرة من تحت حوافرها!... بذلك الهجوم المباغت!... بذرات الغبار المنتشرة في الفضاء!... بدخولها قلب صفوف الأعداء وتحقيق النصر الحاسم عليهم!
هذه التعابير - وإن لم ترد كلها صراحة في الآيات - فهي مجموعة كلها في الدلالات الضمنية للكلام.
من هنا يتّضح أن الجهاد له منزلة عظيمة حتى أن أنفاس خيل المجاهدين استحقت أن يقسم بها... وهكذا الشرر المتطاير من حوافر هذه الخيول... والغبار الذي تثيره في الجو... نعم حتى غبار ساحة الجهاد له قيمة وعظمة.
و قيل: أنّ المقصود بهذه الأقسام قد يكون النفوس التي تستطيع أن تنقل كمالها إلى الآخرين، وتقدح شرارة العلم بأفكارها، وتهجم على أهوائها النفسية، وتثير الشوق الإِلهي في نفسها ونفوس الآخرين، وتستقر أخيراً في قلب سكنة العليين. (6)
واضح أن هذا لا يمكن أن يعتبر تفسيراً للآيات، بل هو تشبيهات تخطر في الذهن لمناسبة تفسير الآية.
﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ توسطن بالعدو أو بذلك الوقت أو متلبسات بالنقع ﴿جَمْعًا﴾ من العدو عطف على الاسم لأنه بمعنى الفعل أي اللائي عدون فأورين فأغرن.