لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولمزيد من التأكيد والإنذار تقول لهم الآيات التالية: (لترون الجحيم، ثمّ لترونها عين اليقين، ثمّ لتسئلن يومئذ عن النعيم) في ذلك اليوم عليكم أن توضحوا كيف انفقتم تلك النعم الإلهية. وهل استخدمتموها في طاعة اللّه أم في معصيته، أم أنّكم ضيعتم النعمة ولم تؤدّوا حقّها؟ بحوث 1 - منبع التفاخر والتكاثر من آيات السّورة يتبيّن أنّ أحد العوامل الأساسية للتفاخر والتكاثر والمباهات هو الجهل بجزاء الآخرة وعدم الإيمان بالمعاد. كما إنّ جهل الإنسان بضعفه ومسكنته... ببدايته ونهايته... من العوامل الاُخرى الباعثة على الكبر والغرور والتفاخر. ولهذا فإنّ القرآن الكريم بهدف كسر روح التفاخر والتكاثر في الأفراد، يقصّ علينا في مواضع كثيرة مصير الأقوام السالفة، وكيف إنّها كانت تمتلك كلّ وسائل القوّة والمنعة، لكنّها اُبيدت بوسائل بسيطة... بالريح... بالصاعقة... بالزلزال... بالسيل... بعبارة اُخرى بالماء والهواء والتراب... وأحياناً بالسجّيل وبطير أبابيل!! فلِمَ - والحال هذه - كلّ هذا التفاخر والغرور؟! ثمّ عامل آخر لهذه الظاهرة هو الإحساس بالضعف وعقدة الحقارة الناتجة عن الفشل. والأفراد الفاشلون من أجل أن يغطوا على فشلهم يلجأون إلى الفخر والمباهات ولذلك ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قال: "ما من رجل تكبر أو تجبّر إلاّ لذلة وجدها في نفسه" (1). وعن الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) قال: "ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب، والطعن بالأحساب والإستسقاء بالأنواء (طلب الماء بواسطة النجوم) " (2). وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "أهلك النّاس اثنان: خوف الفقر، وطلب الفخر" (3). والحق أنّ أهم عوامل الحرص والبخل والخلود إلى الدنيا والمنافسات المخربة، وكثير من المفاسد الإجتماعية هو هذا الخوف الوهمي من الفقر والتفاخر والتعالي بين الأفراد والاُمم والقبائل. ولذا ورد عن رسول اللّه (ص) قال: "ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر" (4). "التكاثر" كما أشرنا يعني في الأصل التفاخر، ولكنّه يعني أحياناً حبّ الاستزادة من المال وجمعه، كما ورد في الحديث عن رسول اللّه (ص) قال: "التكاثر في الأموال: جمعها من غير حقّها، ومنعها من حقها، وشدّها في الأوعية" (5). هذا البحث الموسّع نختمه بحديث عن رسول اللّه (ص) في تفسير (ألهاكم التكاثر) قال: "يقول ابن آدم: مالي مالي; وما لَكَ من مالِكَ إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" (6). نعم، حقّاً لا يعود على الإنسان شيء من ماله الذي جمعه وعدده، وتساهل - أحياناً - في حلاله وحرامه، إلاّ ما يأكل ويشرب ويلبس، أو ما ينفقه في سبيل اللّه وما ينفقه على الإحتياجات الشخصية قليل، فما أفضل أن يزيد حظه من ماله بالإنفاق! 2 - اليقين ومراحله "اليقين" يقابل "الشك"، كما إنّ "العلم" يقابل "الجهل"، واليقين يعني وضوح الشيء وثبوته. ويستفاد من الرّوايات أنّ اليقين هو أعلى مراحل الإيمان. الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) يجعل الإيمان أعلى من الإسلام درجة، والتقوى أعلى من الإيمان درجة، واليقين أعلى من التقوى درجة ثمّ يقول: "ولم يقسم بين النّاس شيء أقل من اليقين". ويسأل الراوي: ما هو اليقين؟ يقول: "التوكل على اللّه، والتسليم للّه، والرضا بقضاء اللّه، والتفويض إلى اللّه!" (7). علوّ مقام اليقين على مقام التقوى والإيمان والإسلام أكدت عليه روايات اُخرى (8). وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قال: "من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي النّاس بسخط اللّه، ولا يلومهم على ما لم يؤته اللّه... إنّ اللّه بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط". ومن هذه النصوص وأمثالها نفهم جيداً أنّ الإنسان - حين يصل إلى مقام اليقين - تغمر قلبه وروحه طمأنينة خاصّة. ومع هذا، فلليقين مراتب، أشارت إليها الآية أعلاه والآية (95) من سورة الواقعة: (إنّ هذا لهو حق اليقين)، وهي ثلاثة: 1 - علم اليقين: وهو الذي يحصل للإنسان عند مشاهدته الدلائل المختلفة، كأن يشاهد دخاناً فيعلم علم اليقين أن هناك ناراً. 2 - عين اليقين: وهو يحصل حين يصل الإنسان إلى درجة المشاهدة كأن يرى بعينه مثلاً النّار. 3 - حقّ اليقين: وهو كأن يدخل الإنسان النّار بنفسه ويحسّ بحرقتها، ويتصف بصفاتها. وهذه أعلى مراحل اليقين. يقول المحقق الطوسي: اليقين اعتقاد جازم مطابق ثابت، لا يمكن زواله، وهو في الحقيقة مؤلف من علمين، العلم بالمعلوم والعلم بأن خلاف ذلك العلم محال، وله مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحقّ اليقين (9). إنّه ذكر عند النّبي (ص) أنّ بعض أصحاب عيسى (ع) كان يمشي على الماء فقال (ص) : "لو كان يقينه أشدّ من ذلك لمشى على الهواء" فالحديث - كماترى - يوميء إلى أنّ الأمر يدور مدار اليقين باللّه سبحانه ومحو الأسباب الكونية عن الإستقلال في التأثير، فإلى أي مبلغ بلغ ركون الإنسان إلى القدرة المطلقة الإلهية انقادت له الأشياء على قدره (10). 3 - الجميع يرى جهنم الآية الكريمة: (لترون الجحيم) لها تفسيران: الأوّل: إنّها تتحدث عن مشاهدة الجحيم في الآخرة، وهو خاص بالكفّار، أو لعامة الجن والإنس، إذ تنص بعض الآيات على أنّه ما من أحد إلاّ وارد جهنّم. الثّاني: إنّها تتحدث عن الشهود القلبي في عالم الدنيا. وفي هذه الحالة تكون الآية جواباً لقضية شرطية هي: لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم (في هذه الدنيا بعين بصيرتكم). لأنّ الجنّة وجهنّم مخلوقان، ولهما الآن وجود خارجي. ولكن - كما ذكرنا - التّفسير الأوّل أنسب مع الآيات التالية التي تتحدث عن يوم القيامة. من هنا، فالقضية قطعية وليست شرطية. 4 - أيّ نعيم يُسأل عنه يوم القيامة؟ الآية الأخيرة من السّورة تقول: (ثمّ لتسئلن يومئذ عن النعيم). قيل إنّ النعيم المسؤول عنه هو نعمة السلامة، وفراغ البال، وقيل: إنّه الصحة والسلامة والأمن، وقيل: الآية تشمل كل هذه النعم. وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "النعيم: الرُّطب، والماء البارد". وروي أنّ أبا حنيفة سأل الإمام جعفر بن محمّد الصادق عن تفسير هذه الآية قال الإمام: "ما النعيم عندك يا نعمان" قال: القوت من الطعام والماء البارد، فقال (ع) "لئن أوقفك اللّه يوم القيامة بين يديه حتى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه". قال: فما النعيم جعلت فداك؟ قال الامام: "نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم اللّه بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألّف اللّه بين قلوبهم وجعلهم أخواناً بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم اللّه للإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع واللّه سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم اللّه به عليهم وهو النّبي وعترته" (11). من كلّ هذه الرّوايات - التي يبدو أنّها مختلفة في ظاهرها - نفهم أنّ النعيم له معنى واسع جدّاً يشمل كلّ المواهب الإلهية المعنوية منها مثل: الدين والإيمان والإسلام والقرآن والولاية، وأنواع النعم المادية الفردية منها والإجتماعية. بيد أن النعم التي لها أهميّة أكبر مثل: نعمة "الإيمان والولاية" يُسأل عنها أكثر. هل أدّى الإنسان حقّها أم لا؟ والرّوايات التي تنفي شمول الآيه للنعم المادية يظهر أنّها تريد أن تقول: لا ينبغي أن نترك المصاديق الأهم للآية ونتمسك بالمصاديق الأصغر. إنّه تحذير - في الواقع - إلى النّاس بشأن سلسلة مراتب المواهب والنعم الإلهية، وبأنّهم يتحملون إزاءها مسؤولية ثقيلة. وكيف يمكن أن لا يُسأل عن هذه النعم؟ وهي ثروة كبيرة وهبت للبشرية يجب أن تقدر كل واحدة منها حقّ قدرها وأن يؤدّى شكرها، وأن يستثمر كل منها في موضعها. اللّهمّ! أدم علينا نعمك التي لا تحصى، خاصّة نعمة الإيمان والولاية. ربّنا! وفقنا لأداء حق كل هذه النعم. إلهنا! زد علينا من نعمك الكبرى، ولا تسلبها منا أبداً. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة التكاثر ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ الأمن والصحة وقيل جميع الملاذ وعنهم (عليهم السلام): ولاية أهل البيت ومحبتهم.