في الآية التالية يقول سبحانه: (يحسب أنّ ماله أخلده) (7).
"أخلده" جاء في الآية بصيغة الماضي، ويعني أن هذا الهمزة اللمزة يحسب أنّ ماله قد صيّر منه موجوداً خالداً، لا يستطيع الموت أن يصل إليه، ولا عوامل المرض والحوادث قادرة أن تنال منه، فالمال في نظره هو المفتاح الوحيد لحل كلّ مشكلة، وهو يملك هذا المفتاح.
ما أتفه هذا التفكير!! قارون بكل ما كان يملكه من كنوز لا تستطيع العصبة أولو القوّة أن تحمل مفاتحها، لم يستطع أن يستخدم أمواله لتأخير مصيره الأسود ساعة واحدة: (فخسفنا به وبداره الأرض) (8).
الأموال التي كان يمتلكها الفراعنة: (... من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين) (9)، تحولت في ساعة إلى غيرهم: (كذلك وأورثناها قوماً آخرين) (10).
لذلك فإنّ هؤلاء اللاهين بأموالهم، حين تزول من أمام أعينهم الحجب والأستار يوم القيامة يرفعون عقيرتهم بالقول: (ما أغنى عنّي ماليه، هلك عني سلطانيه) (11).
الإنسان - أساساً - يهرب من الفناء والعدم ويميل إلى الخلود، وهذه الرغبة الداخلية هي من أدلة المعاد وأنّ الإنسان مخلوق للخلود، وإلاّ ما كانت فيه غريزة حبّ الخلود.
لكنّ الإنسان المغرور الأناني الدنيوي يخال خلوده كامناً في أشياء هي ذاتها عامل فنائه وانعدامه.
على سبيل المثال: المال والمقام اللذان هما غالباً من أعداء بقائه يحسبهما وسيلة لخلوده.
من هنا يتبيّن أنّ الظنّ بقدرة المال على الإخلاد، هو الذي يدفع إلى جمع المال، وجمع المال أيضاً عامل على الإستهزاء والسخرية بالآخرين عند هؤلاء الغافلين.
﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ جعله خالدا في الدنيا فاشتد حرصه عليه أو طول الأمل أغفله حتى غفل عن الموت وحسب أنه مخلد.