لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وما أن تسقط هذه الحجارة على أحد حتى تهلكه. (فجعلهم كعصف مأكول). و"العصف" هو النبات الجاف المتهشّم، أي هو (التبن) بعبارة اُخرى. وقيل إنّه قشر القمح حين يكون في سنبله. والمناسب هنا هو المعنى الأوّل. وقال "مأكول" إشارة إلى أنّ هذا التبن قد سحق مرّة اُخرى بأسنان الحيوان، ثمّ هشّم ثالثة في معدته، وهذا يعني أنّ أصحاب الفيل، قد تلاشوا بشكل كامل عند سقوط الحجارة عليهم. وهذا التعبير إضافة إلى ما له من معنى الإبادة التامة، يحمل معنى التفاهة والضعف ممّا صار إليه هؤلاء المهاجمون الطغاة المستكبرون والمتظاهرون بالقوّة. بحوث 1 - المعجزة (للبيت ربّ يحميه) القرآن الكريم يذكر هذه القصّة الطويلة في عبارات قليلة قصيرة قارعة، وفي غاية الفصاحة والبلاغة، ويركز على نقاط تساعد على تحقيق الأهداف القرآنية المتمثلة في إيقاظ المتعنتين المغرورين وبيان ضعف الإنسان أمام قدرة الجبار المتعال. هذه الحادثة تبيّن أنّ المعجزات والخوارق لا تستلزم - كما ظنّ بعض - وجود النّبي والإمام، بل تظهر في كلّ ظرف يشاء اللّه فيه أن تظهر. والهدف منها إظهار عظمة اللّه سبحانه وحقانية دينه. هذا العقاب العجيب الأعجازي، يختلف عمّا نزل من عقاب على اُمم اُخرى مثل طوفان قوم نوح، وزلزال قوم لوط وإمطارهم بالحجارة، وصاعقة قوم ثمود; فهذه سلسلة حوادث طبيعية يتمثل إعجازها في حدوثها في تلك الظروف الخاصّة. أمّا قصّة إبادة جيش أبرهة بحجارة من سجّيل، ترميها طير أبابيل، وليست كالحوادث الطبيعية. تحليق هذه الطيور الصغيرة، واتجاهها نحو ذلك الجيش الخاص، ورميه بالحجارة التي تستطيع أن تهشّم أجساد جيش ضخم... كلّ تلك اُمور خارقة للعادة. ولكنّها - كما نعلم - ضئيلة جدّاً أمام قدرة اللّه تعالى. اللّه الذي خلق داخل هذه الحجارة قدرة ذرية لو تحررت لولدت انفجاراً هائلاً، لقادر على أن يجعل في هذه الحجارة خاصية تستطيع أن تحوّل جيش أبرهة إلى (عصف مأكول). لسنا في حاجة لأن نذهب إلى ما ذهب إليه بعض المعاصرين في تفسير هلاك جيش أبرهة بمكروبات وباء الحصبة والجدري (1) أو أن نقول إنّ هذه الحجارة كانت ذرات متكافئة اُزيلت الفراغات بينها فاصبحت ثقيلة للغاية، وقادرة على أن تخترق الأجساد. كلّ هذه تبريرات تستهدف اعطاء صفة طبيعية لهذه الحادثة. ولسنا بحاجة إليها. كلّ ما نعلمه هو أنّ هذه الحجارة كانت لها خاصية غريبة في تهشيم الأجسام. ولم يخبرنا القرآن بأكثر من ذلك، وليس الأمر بمتعذر أمام قدرة اللّه سبحانه. 2 - أشد الجزاء بأبسط وسيلة يلاحظ أنّ هذه القصّة تتضمّن بيان قدرة اللّه أمام المستكبرين والطغاة على أفضل وجه... ولعل العقاب الذي حلّ بأبرهة وجيشه لا يبلغه عقاب، إذ على أثره تهشّم جيش وتحول إلى (عصف مأكول). ثمّ إنّ إبادة هذا الجيش الجرار بكلّ ما كان يمتلكه من قدرة وشوكة كانت بواسطة أحجار صغيرة، وبواسطة طيور صغيرة كالخطاطيف. وفي هذا تحذير وإنذار لكلّ الطغاة والمستكبرين في العالم، ليعلموا مدى ضعفهم أمام قدرة اللّه سبحانه. وقد يوكل اللّه سبحانه أداء هذه المهام الكبرى لموجودات أصغر، مثل المكروبات التي لاترى بالعين المجردة، لتتكاثر وتتناسل في مدّة وجيزة وتصيب اُمماً قوية بالأوبئة المختلفة كالطاعون، وتبيدهم خلال مدّة قصيرة. "سد مأرب" العظيم في اليمن - كما جاء ذكره في تفسير سورة سبأ - كان وسيلة لعمران كبير ومدنية عظيمة وقوية لقوم سبأ، وحين طغى هؤلاء القوم، جاء أمر إبادتهم عن طريق فأر صحراوي أو عدد من الفئران - كما تذكر بعض الرّوايات - فثقبت السد، واتسع الثقب تدريجياً بالماء، وتحطم السد العظيم، واكتسح الماء كلّ ما بناه القوم واغرق الأفراد أو شردهم إلى كلّ حدب وصوب متفرقين حيارى، وهذه من مظاهر قدرة اللّه سبحانه. 3 - أهداف قصّة الفيل من السّورة التالية (سورة لإيلاف) نفهم أنّ أحد أهداف سورة الفيل التذكير بنعمة إلهية كبرى منّ اللّه سبحانه بها على قريش، وتفهيمهم أنّه لولا لطف اللّه سبحانه وفضله لما بقي أثر لمكّة ولا للكعبة ولا لقريش... لعل ذلك يكون عاملاً على كبح جماح هؤلاء المغرورين، وعلى قبول دعوة الدين المبين. من جهة اُخرى هذه الحادثة اقترنت بولادة رسول اللّه (ص)، وكانت ممهّدة للبعثة المباركة، وإرهاصاً (2) من ارهاصات بزوغ فجر الإسلام. والقصة من ناحية ثالثة تهديد لكل طغاة العالم، من قريش وغير قريش; ليعلموا أنّهم لا يستطيعون أبداً أن يقاوموا أمام قدرة اللّه تعالى، فما أجدر بهم أن يعودوا إلى رشدهم، ويخضعوا لأمر اللّه، ويستسلموا للحق والعدل. ثمّ هي من جانب رابع تبيّن أهمية هذا البيت الكبير. الأعداء الذين استهدفوا هدم الكعبة، ونقل مركزية هذا الحرم الإبراهيمي إلى مكان آخر، قد واجهوا من العذاب ما أصبح عبرة للأجيال، وما زاد من أهمية هذا المركز المقدس. ومن جهة خامسة، هذه الحادثة تؤكّد مشيئة اللّه سبحانه في جعل هذا الحرم آمناً استجابة لدعوة إبراهيم الخليل (ع). 4 - حادثة تاريخية قطعية حادثة "أصحاب الفيل" كانت من الأهمية والشهرة بين العرب بحيث جعلوها مبدأ للتاريخ. والقرآن الكريم بدأ الحديث عن القصّة بعبارة (ألم تر) مخاطباً نبيّه (ص) الذي لم ير هذه الحادثة. وهي دلالة اُخرى على قطعية وقوع الحادثة. أضف إلى ذلك أنّ النّبي - حين تلا هذه الآيات على المشركين - لم ينكر عليه أحد، ولو كان أمراً مشكوكاً لاعترضوا عليه، ولسجل المؤرخون هذا الإعتراض كما سجلوا سائر الإعتراضات; خاصّة وأنّ القرآن بدأ الموضوع بجملة (ألم تر). كما إنّ عظمة هذا البيت الكريم تتبيّن ضمنياً بهذا الإعجاز التاريخي القطعي. اللّهمّ! وفقنا لصيانة هذا المركز التوحيدي العظيم. اللّهم! طهّر هذا البيت من اُولئك الذين يكتفون بحفظ ظواهره ويصادرون رسالته التوحيدية الحقيقية. ربّنا! ارزقنا زيارة البيت بوعي وعرفان. آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة الفيل ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾ كورق زرع أكله الدواب وراثته أو وقع فيه أكال من الدود أي دمرهم.