التّفسير:
اعطيناك الخير العميم، الحديث في كلّ هذه السّورة موجّه إلى النّبي الأكرم (ص) (مثل سورة والضحى، وسورة ألم نشرح)، وأحد أهداف هذه السور تسلية قلب النّبي إزاء ركام الأحداث المؤلمة وطعون الأعداء.
تقول له أوّلاً: (إنّا أعطيناك الكوثر).
و"الكوثر": من الكثرة، وبمعنى الخير الكثير، ويسمى الفرد السخي كوثراً.
وفي معنى "الكوثر" ورد أنّه لما نزلت سورة الكوثر صعد رسول للّه (ص) المنبر فقرأها على النّاس.
فلما نزل قالوا: يارسول اللّه ما هذا الذي أعطاك اللّه؟ قال: "نهر في الجنّة أشدّ بياضاً من اللبن، وأشدّ استقامة من القدح، حافتاه قباب الدر والياقوت...". (1)
وعن الإمام الصادق (ع) في معنى الكوثر قال: "نهر في الجنّة اعطاه اللّه نبيّه عوضاً من ابنه" (2).
وقيل: هو حوض النّبي الذي يكثر النّاس عليه يوم القيامة.
وقيل: هو النّبوة والكتاب، وقيل: هو القرآن.
وقيل: كثرة الأصحاب والأشياع.
وقيل: هو كثرة النسل والذرية وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة (ع) حتى لا يحصى عددهم، واتصل إلى يوم القيامة مددهم، وروي عن الصادق (ع) أنّه الشفاعة (3)
الفخر الرازي نقل خمسة عشر رأياً في تفسير الكوثر، ولكن هذه التفاسير تبيّن غالباً المصاديق البارزة لمعناها الواسع وهو "الخير الكثير".
نعلم أنّ اللّه سبحانه أعطى رسوله الأكرم (ص) نعماً كثيرة، منها ما ذكره المفسّرون في معنى الكوثر وغيرها كثير، وكلّها يمكن أن تكون تفسيراً مصداقياً للآية.
على أي حال، كلّ الهبات الإلهية لرسول اللّه (ص) في كل المجالات تدخل في إطار هذا الخير الكثير، ومن ذلك انتصاراته على الأعداء في الغزوات، بل حتى علماء اُمته الذين يحملون مشعل الإسلام والقرآن في كلّ زمان ومكان.
ولا ننسى أنّ كلام اللّه سبحانه تعالى لنبيّه في هذه السّورة كان قبل ظهور الخير الكثير.
فهو إخبار بالمستقبل القريب والبعيد، إخبار إعجازي يشكل دليلاً آخر على صدق دعوة الرسول الأعظم (ص).
هذا الخير الكثير يستوجب شكراً عظيماً، وإنّ كان المخلوق لا يستطيع أداء حقّ نعمة الخالق أبداً.
إذ أنّ توفيق الشكر نعمة اُخرى منه سبحانه.
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ الخير الكثير وهو يعم جميع ما فسر به من العلم أو النبوة والقرآن والشفاعة وشرف الدارين أو نهر في الجنة وهو حوضه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو ذريته رد على من زعم أنه أبتر أي يعطيك نسلا في غاية الكثرة لا ينقطع إلى يوم القيامة والتعبير بالماضي لتحققه وقد وقع كل ذلك كما أخبر وكثر نسله من فاطمة (عليها السلام) حتى ملأ أقطار العالم.