سبب النزول
لقد أنذر رؤساء قريش قبل بدء غزوة بدر جميع الأفراد من أهالي مكّة الذين يستطيعون حمل السلاح، أنّ عليهم أن يتأهبوا لقتال المسلمين، محذرين بأن من يخالف هذا الأمر ستهدم داره وتصادر أمواله، وقد أدى هذا التهديد بنفر من الذين كانوا قد أسلموا في الظاهر، ولكنّهم كانوا قد رفضوا الهجرة لشدة حبهم لموطنهم ولأموالهم... أدى بهؤلاء إِلى أن يرغموا على مشاركة الوثنيين في التحرك إِلى ساحة الحرب، وراودهم الشك في إِنتصار المسلمين لقلّة عددهم، فكان أن قتلوا وهم إِلى جانب المشركين.
فنزلت الآيات المذكورة وحدثت عن المصير الأسود الذي لاقاه هؤلاء بسبب إصرارهم على البقاء في موطن الشرك.
التّفسير
تعقيباً للبحوث الخاصّة بالجهاد، تشير الآيات الثلاث الأخيرة إِلى المصير الأسود الذي كان من نصيب أُولئك الذين ادعوا الإِسلام ولكنهم رفضوا أن يطبقوا خطة الإِسلام في الهجرة، فإنحرفوا إِلى مزالق رهبية، فكانت نتيجة إِنحرافهم أن أصابهم القتل وهم في صفوف المشركين.
فالقرآن الكريم يذكر كيف أنّ الملائكة لدى قبضهم لأرواح هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، يسألونهم عن حالهم في الدنيا وأنّهم لو كانوا حقاً من المسلمين، فلماذا اشتركوا في صفوف المشركين لقتال المسلمين (إِنَّ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم...) فيجيب هؤلاء بأنّهم تعرضوا في مواطنهم للضغط وأن ذلك أعجزهم عن تنفيذ الأمر الإِلهي (قالوا كنّا مستضعفين في الأرض).
لكن عذرهم هذا لم يقبل منهم، إذ يرد الملائكة عليهم قائلين: لماذا لم تتركوا موطن الشرك وتنجوا بأنفسكم من الظلم، والكبت عن طريق الهجرة إلى أرض غير أرضكم من أرض اللّه الواسعة، (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).
وفي النهاية تشير الآية إِلى مصير هؤلاء، فتقول بأنّ الذين امتنعوا عن الهجرة لأسباب واهية أو لمصالحهم الشخصية، وقرروا البقاء في محيط ملوث وفضلوا الكبت والقمع على الهجرة فإِن مكان هؤلاء سيكون في جهنم، وإِن نهايتهم وعاقبتهم هناك ستكون سيئة لا محالة: (فأُولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً).
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ﴾ أو مضارع أي تتوفاهم ﴿الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ في حال ظلمهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة ﴿قَالُواْ﴾ أي الملائكة للمتوفين توبيخا لهم ﴿فِيمَ﴾ في أي شيء ﴿كُنتُمْ﴾ من أمر دينكم ﴿قَالُواْ﴾ اعتذارا ﴿كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ﴾ عاجزين عن الهجرة وإقامة الدين ﴿قَالْوَاْ﴾ أي الملائكة ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾ من أرض الكفر إلى بلد آخر كمن هاجر إلى المدينة والحبشة ﴿فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ خبر إن والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط ﴿وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ هي ويدل على وجوب الهجرة عن بلد لا يتمكن فيه من إقامة الدين.