التّفسير:
العجز عن السجود:
تعقيباً للآيات السابقة التي استجوب الله تعالى فيها المشركين والمجرمين استجواباً موضوعياً، تكشف لنا هذه الآيات جانباً من المصير البائس في يوم القيامة لهذه الثلّة المغرمة في حبّها لذاتها، والمكثرة للإدّعاءات، هذا المصير المقترن بالحقارة والذلّة والهوان.
يقول تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون)(214).
جملة (يكشف عن ساق) كما قال جمع من المفسّرين، كناية عن شدّة الهول والخوف والرعب وسوء الحال، إذ أنّ المتعارف بين العرب عند مواجهتهم أمراً صعباً أنّهم يشدّون ثيابهم على بطونهم ممّا يؤدّي إلى كشف سيقانهم.
ونقرأ جواب ابن عبّاس المفسّر المعروف عندما سئل عن تفسير هذه الآية قال: كلّما خفي عليكم شيء من القرآن ارجعوا إلى الشعر فإنّ الشعر ديوان العرب، ألم تسمعوا قول الشاعر:
وقامت الحرب بنا على ساق.
إنّ هذا القول كناية عن شدّة أزمة الحرب.
وقيل: إنّ (ساق) تعني أصل وأساس الشيء، كساق الشجرة، وبناءً على هذا فإنّ جملة (يكشف عن ساق) تعني أنّ أساس كلّ شيء يتّضح ويتبيّن في ذلك اليوم، إلاّ أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر.
وفي ذلك اليوم العظيم يدعى الجميع إلى السجود للباريء عزّوجلّ، فيسجد المؤمنون، ويعجز المجرمون عن السجود، لأنّ نفوسهم المريضة وممارساتهم القبيحة قد تأصّلت في طباعهم وشخصياتهم في عالم الدنيا، وتطفح هذه الخصال في اليوم الموعود وتمنعهم من إحناء ظهورهم للذات الإلهية المقدّسة.
وهنا يثار سؤال: إنّ يوم القيامة ليس بيوم تكاليف وواجبات وأعمال، فلِمَ السجود؟
يمكن إستنتاج الجواب من التعبير الذي ورد في بعض الأحاديث، نقرأ في الحديث التالي عن الإمام الرضا (ع) في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) قال: "حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجّداً وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود"(215).
وبتعبير آخر: في ذلك اليوم تتجلّى العظمة الإلهية، وهذه العظمة تدعو المؤمنين للسجود فيسجدون، إلاّ أنّ الكافرين حرموا من هذا الشرف واللطف.
﴿يَوْمَ﴾ ظرف يأتوا أو مقدر باذكر ﴿يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ توبيخا ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ ليبس ظهورهم.