وفي آخر آية من هذه الآيات يستعرض سبحانه الجواب على "حاطب بن أبي بلتعة" ومن يسايره في منهجه من الأشخاص، حينما قال في جوابه لرسول الله عن السبب الذي حدا به إلى إفشاء أسرار المسلمين لمشركي مكّة، حيث قال بلتعة: أهلي وعيالي في مكّة، وأردت أن أمنع عنهم الأذى وأصونهم بعملي هذا، (واتّخذ عند أهلها يداً) يقول تعالى: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم).
وذلك لأنّ الأرحام والأولاد المشركين سوف لن يجلبوا خيراً وعزّة في الدنيا ولا نجاة في الآخرة.
إذن لماذا تتصرّفون وتعملون مثل هذا العمل الذي يوجب سخط البارىء، وذلك بالتقرّب من أعداء الله وإرضاء المشركين والبعد عن أوليائه تعالى وجلب الضرر على المسلمين؟
ثمّ يضيف تعالى: (يوم القيامة يفصل بينكم)(6).
وهذا تأكيد على أنّ مقام أهل الإيمان هو الجنّة، وأنّ أهل الكفر يساقون إلى جهنّم وبئس المصير، وهو بيان آخر وتوضيح لما تقدّم سابقاً من أنّ عملية الفرز والفصل ستكون فيما بينكم، حيث ستقطع الأواصر بصورة تامّة بين الأرحام بلحاظ طبيعة الإيمان والكفر الذي هم عليه، ولن يغني أحد عن الآخر شيئاً، وهذا المعنى مشابه لما ورد في قوله تعالى: (يوم يفرّ المرء من أخيه واُمّه وأبيه وصاحبته وبنيه)(7)وفي نهاية الآية يحذّر الجميع مرّة اُخرى بقوله تعالى: (والله بما تعملون بصير).
إنّه عالم بنيّاتكم، وعالم بالأعمال التي تصدر منكم، سواء كانت في حالة السرّ أو العلن، وإذا كانت المصلحة الإلهية تقتضي عدم إفشاء أسراركم أحياناً كما في حادثة حاطب بن أبي بلتعة، فلأنّها لحكمة أو مصلحة يراها سبحانه، وليس لأنّه لا يعلم بها أو تخفى عليه خافية.
وفي الحقيقة إنّ علم الله بالغيب والشهود، والسرّ والعلن، وسيلة مؤثّرة وعظيمة في تربية الإنسان حيث يشعر دائماً بأنّه في محضر الباريء عزّوجلّ الرقيب على قوله وعمله، بل حتّى على نيّته، وهنا تصدق مقولة أنّ التقوى وليدة المعرفة التامّة بالله عزّوجلّ.
﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ﴾ أقرباؤكم ﴿وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ الذين لأجلهم توادون الكفرة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾.