ثمّ يواصل القرآن ذكر مقولات المشركين فينقل عن لسانهم (إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها) (2).
لكن القرآن يجيبهم من عدّة طرق، ففي البداية من خلال جملة واحدة حاسمة يرد على مقولات هذه الفئة التي ما كانت أهلا للمنطق: (وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا).
يمكن أن يكون هذا العذاب إشارة إلى عذاب القيامة، كما قال بعض المفسّرين مثل "الطبرسي" في مجمع البيان، أو عذاب الدنيا مثل الهزيمة المنكرة يوم "بدر" وأمثالها، كما قال "القرطبي" في تفسيره المعروف، ويمكن أن تكون الإشارة إليهما معاً.
الملفت للنظر أنّ هذه الفئة الضالة في مقولتها هذه، وقعت في تناقض فاضح، فمن جهة تلقت النّبي ودعوته بالسخرية، إشارة إلى أن ادعاءه بلا أساس ولا يستحق أن يؤخذ مأخذ الجد، ومن جهة أُخرى أنّه لولا تمسكهم بمذهب أجدادهم، فمن الممكن أن - يؤثر عليهم كلام النّبي(ص) ويضلّهم عن ذلك المذهب، وهذا يدل على أنّهم كانوا يعتبرون كلامه قوياً وجدياً ومؤثراً ومحسوباً، و هذا المنطق المضطرب ليس غريباً عن هؤلاء الأفراد الحيارى اللجوجين.
و كثيراً ما يُرى أنّ منكري الحق حينما يقفون قبالة الأمواج المتلاطمة لمنطق القادة الإلهيين، فإنّهم يختارون اُسلوب الإستهزاء تكتيكاً من أجل توهينه ودفعه، في حين أنّهم يخالفون سلوكهم هذا في الباطن، بل قد يأخذوه بجدية أحياناً ويقفون ضده بجميع امكاناتهم.
﴿إِن﴾ المخففة أي إنه ﴿كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾ يصرفنا واللام فارقة ﴿عَنْ آلِهَتِنَا﴾ عن عبادتها ببذل جهده في دعائنا ﴿لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾ ثبتنا على عبادتها لصرفنا عنها ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ عيانا في الآخرة وعيد يفيد أنه يلحقهم لا محالة وإن أخر ﴿مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ أخطأ طريقا أهم أم أنت.