لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير صلاة المسافر: بعد الآيات التي تحدثت سابقاً عن الجهاد والهجرة، تتطرق الآية (101) من سورة النساء - التي هي موضوع بحثنا الآن - إِلى صلاة المسافر، فتبيّن أن لا مانع للمسلم من أن يقصر صلاته لدى السّفر إِذا خاف من خطر الكافرين الذين هم الأعداء البارزون للمسلمين، وقد عبّرت هذه الآية عن السّفر بالضرب في الأرض، لأنّ المسافر يضرب الأرض برجليه لدى السّفر(1). ويرد هنا سؤال: وهو أن الآية هذه قد جعلت الخوف من العدو شرطاً لقصر الصّلاة، بينما نقرأ في البحوث الفقهية أنّ حكم صلاة القصر يعتبر حكماً عاماً يشمل جميع أنواع السّفر، سواء كان فيه الخوف من الأعداء أو كان سفراً آمناً لا خوف فيه، وقد وردت روايات عديدة عن طرق الشيعة والسنة في مجال صلاة القصر تؤيد كلّها شمولية حكم صلاة القصر لكل أنواع السّفر المباح(2). وفي جواب هذا السؤال يجب القول: بأنّ تقييد حكم القصر في صلاة بالخوف قد يكون سببه واحداً من الموارد التالية: أ - إِنّ القيد جاء بسبب وضع المسلمين في بداية العصر الإِسلامي، ويصطلح على هذا القيد بـ "القيد الغالب" أي أنّ أغلب أسفار المسلمين في ذلك الزمن كانت مشوبة بالخوف، وجاء في علم الأُصول أنّ القيود الغالبة لا مفهوم لها يمستد بآية (وربائبكم اللاتي في حجوركم)(3) أي بنات نسائكم اللواتي تربونهنّ وهنّ من أزواج سابقين وهنّ حرام عليكم. حيث نواجه في هذه الآية نفس مسألة "القيد الغالب" لأن بنات الزوجة يعتبرن محارم للزوج - سواء تربين في حجره أم لم يتربين لديه - ولكن بما أنّ أغلب النساء المطلقات اللواتي يتزوجن مرّة أُخرى هنّ نساء شابات لديهنّ أطفال صغار تتمّ تربيتهم في حجر الزوج الجديد، لذلك جاءت الآية بقيد "حجوركم". ب - ويعتقد بعض المفسّرين أنّ صلاة القصر شرعت في البداية لزمن الخوف - كما جاء في الآية موضوع البحث - وإِنّ هذا الحكم قد توسع فيما بعد فشمل جميع الحالات. ج - ويحتمل أيضاً أن يكون في هذا القيد جانب توكيدي، أي أن صلاة القصر لازمة للمسافر أينما كان، ولكن في حالة الخوف من العدو تكون هذه الصّلاة مؤكدة أكثر. وعلى أي حال، فليس هناك من شك أنّ صلاة القصر للمسافر - مع الاخذ بنظر الاعتبار الرّوايات المفسّرة لهذه الآية - لا تقتصر على حالة الخوف، ولهذا السبب فإِن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في أسفاره حتى في موسم الحج (في أرض منى) يقصر صلاته. سؤال: وهنا يرد سؤال آخر، وهو أنّ الآية قد أتت بعبارة (ولا جناح عليكم) وليس في هذه العبارة دلالة الحتمية في الحكم، أي لا تحتم على المسافر أن يقصر صلاته، فكيف يمكن القول أنّ صلاة القصر واجب عيني للمسافر وليس واجباً تخييرياً؟ الجواب: لقد وجّه هذان السؤالان إِلى أئمّة الإِسلام، فأشاروا لدى الإِجابة عليهما إِلى نقطتين مهمتين: النّقطة الأُولى: هي أنّ عبارة "لا جناح"، أي لا ذنب عليكم، قد استخدمت في يبعض الموارد في القرآن الكريم للدلالة على الوجوب، فمث في آية: (إِنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)(4) في حين أن جميع المسلمين يعرفون أنّ السعي بين الصفا والمروة واجب سواء في الحج أو العمرة. وكان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام) والمسلمون يؤدون السعي بعنوان الواجب... وقد نقل عن الإِمام الباقر(عليه السلام) حديث بهذا المضمون(5). وبعبارة أُخرى فإِنّ عبارة "لا جناح" ـ في الآية موضوع البحث وكذلك في آية الحج - جاءت لنفي التحريم، والسبب هو أنّ بعض المسلمين في بدء الإِسلام، ولوجود أصنام على جبلي الصفا والمروة، كانوا يظنون أنّ السعي بينهما من عادات وتقاليد الوثنيين، في حين أنّه لم يكن كذلك، فجاءت عبارة - "لا جناح" في الآية المذكورة لرفع الوهم الحاصل. وكذلك في حالة المسافر، من الممكن أن يتوهّم البعض أنّ قصر الصّلاة في السّفر قد يعتبر نوعاً من المعصية، فجاء القرآن الكريم في الآية بعبارة "لا جناح" لرفع هذا الوهم أيضاً. والنّقطة الثّانية: هي أنّ بعض الرّوايات قد أشارت إِلى أنّ قصر الصّلاة في السّفر نوع من التسهيل الإِلهي، وتقتضي الأدب أن لا يرد هذا التسهيل ولا يتجاهل. وفي روايات أهل السنّة نقل عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في موضوع قصر الصّلاة: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته"(6). كما ورد مثل هذا الحديث في مصادر الشّيعة حيث ينقل الإِمام الصّادق(عليه السلام)عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله بأن: الإِفطار في السّفر وقصر الصّلاة فيه هديتان الهيتان فمن انصرف عنهما أصبح رادّاً لهدية الله(7). أمّا النّقطة الثّالثة: التي يجب الإِنتباه لها فهي أنّ بعض المسلمين قد تصوروا أن الآية (101) من سورة النساء تبيّن حكم صلاة الخائف (أثناء الحروب وأمثال ذلك) ويستدلون لذلك بعبارة (إِن خفتم) الواردة في الآية، ولكن جملة (إِذا ضربتم في الأرض) فيها مفهوم عام يشمل كل أنواع السّفر سواء كان من الأسفار الإِعتيادية أو كان سفراً من أجل الجهاد، والذي تناولته الآية التالية بصورة مستقلة. إِذن فعبارة (إِن خفتم) - وكما أسلفنا - تعتبر نوعاً من القيود أو الشروط الغالبة، حيث أنّ أغلب أسفار المسلمين في ذلك الزمان كانت مشوبة بالخوف والخطر - لذلك فلا دلالة على اقتصار الآية على الصّلاة في حالة الخوف، بالإِضافة إِلى ذلك، فإِنّ الخوف من هجوم العدو موجود أثناء الحروب وليس في محلّه أن يقال لمن في ساحة الحرب (إِن خفتم) من هجوم العدو، وهذا دليل آخر على أنّ الآية تشير إِلى جميع أنواع السّفر التي يحتمل أن يوجد فيها بعض الأخطار على المسافر. كما يجب التنبيه إِلى أنّ شروط صلاة المسافر لم ترد في القرآن، كما لم ترد شروط وأوصاف بقية الأحكام الإِسلامية فيه أيضاً، بل أشارت إِلى ذلك السنّة الشريفة. ومن هذه الشروط أنّ صلاة القصر لا تجب في الأسفار التي لا تبلغ المسافة فيها ثمانية فراسخ، لأنّ المسافر في تلك الأيّام كان يقطع في اليوم الواحد مسافة الثمانية فراسخ بصورة اعتيادية. والشرط الآخر هو أنّ المسافر الذي يتّخذ من السّفر حرفة لنفسه أو جزءاً من برنامج حياته اليومية مستثنى من القصر في الصّلاة، لأنّ السّفر بالنسبة إِلى أمثال هؤلاء أمر اعتيادي، وليس أمراً استثنائياً. يكما أنّ من يسافر من أجل ارتكاب معصية، لا يكون مشمو لحكم صلاة المسافر، أي لا يجوز له القصر في الصّلاة، والسبب هو أن حكم القصر يعتبر نوعاً من التسهيل الإِلهي، ولا يمكن أن يشمل هذا التسهيل من يسير في طريق معصية الله. كما أنّ أي مسافر لم يصل إِلى حدّ الترخيص (أي إِلى النقطة التي لا يمكن سماع صوت أذان المدينة فيها، أو لا يمكن مشاهدة أسوار المدينة عندها) لا يمكنه أن يقصر صلاته، لأنّه في هذه الحالة لا يعد خارجاً عن حدود المدينة ولا يعتبر في عداد المسافرين. وبالإِضافة إِلى ما ذكر هناك أحكام أُخرى ذكرتها كتب الفقه بالتفصيل، وقد ذكرت الأحاديث التي وردت في هذا الأمر كتب الحديث. ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ﴾ سافرتم ﴿فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ﴾ بتنصيف الرباعيات وهو صفة محذوف أي شيئا من الصلاة أو مفعول تقصروا بزيادة من والقصر عندنا عزيمة إجماعا ونصا ولا ينافيه نفي الجناح كما في لا جناح عليه أن يطوف بهما ولعله لأن الطباع لما ألفت التمام كان مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يتعرضوا لكم بمكروه وهو شرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت ولذا لم يعتبر مفهومه ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ بيني العداوة.