لقد تعرض الخائنون في الآية الأُخرى إِلى التوبيخ، حيث قالت أن هؤلاء يستحيون أن تظهر بواطن أعمالهم وسرائرهم وتنكشف إِلى الناس، لكنهم لا يستحيون لذلك من الله سبحانه وتعالى، إِذ تقول الآية: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله...) فلا يتورع هؤلاء من تدبير الخطط الخيانية في ظلام الليل، والتحدث بما لا يرضى الله الذي يراهم ويراقب أعمالهم، أينما كانوا: (وهو معهم إِذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً).
بعد ذلك تتوجه الآية (109) من سورة النساء بالحديث عن شخص السارق الذي تمّ الدفاع عنه، وتقول بأنّه على فرض أن يتمّ الدفاع عن هؤلاء في الدنيا يفمن يستطيع الدفاع عنهم يوم القيامة، أن من يقدر أن يكون لهؤلاء وكي ليرتب أعمالهم ويحل مشاكلهم؟! حيث تقول الآية: (هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكي).
ولذلك فإِنّ الدفاع عن هؤلاء الخونة في الدنيا ليس له أثر إِلا القليل، لأنّهم سوف لا يجدون أبداً من يدافع عنهم أمام الله في الحياة الآخرة الخالدة.
والحقيقة هي أنّ الآيات الثلاث الأخيرة تحمل في البداية إِرشادات إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإِلى كل قاض يريد أن يحكم بالحق، بأن ينتبهوا حتى يفوتوا الفرصة على اُولئك الذين يريدون انتهاك حقوق الآخرين، عبّر وسائل مصطنعة وشهود مزورين.
بعد ذلك تحذر الآية الخائنين ومن يدافع عنهم، بأن ينتظروا عواقب سيئة لأعمالهم في هذه الدنيا وفي الآخرة أيضاً.
وفي تلك الآيات سر من أسرار البلاغة القرآنية، حيث أنّها أحاطت جميع جوانب القضية وأعطت الإِرشادات والتحذيرات اللازمة في كل مورد، مع أنّ موضوع القضية يبدو موضوعاً صغيراً بحسب الظاهر، إِذ يدور حول درع مسروقة أو مواد غذائية أو يهودي من أعداء الإِسلام.
وقد تناولت الآية - أيضاً - الإِشارة إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يعتبر إِنساناً معصوماً عن الخطأ، كما أشارت إِلى الأفراد الذين يحترفون الخيانة، أو الذين يدافعون عن الخائنين إِندفاعاً وراء عصبيات قبلية، إِشارات تتناسب ومنزلة الأشخاص المشار إِليهم في الآيات المذكورة.
﴿يَسْتَخْفُونَ﴾ يسرون ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ حياء وخوفا ﴿وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ عالم بهم ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ﴾ يدبرون ﴿مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ من الحلف الكاذب وشهادة الزور ورمى البريء ﴿وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾ عليما.