سبب النّزول
بعد حرب بدر وانتصار المسلمين قال فريق من اليهود: إنّ النبيّ الأُميّ الذي بشرنا به موسى، ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنّه لا تُردّ له راية، ثمّ قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتّى تنظروا إلى واقعة اُخرى.
فلمّا كان يوم اُحد، ونكَّب أصحاب رسول الله، شكّوا وقالوا: لا والله ما هو به، فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا.
وقد كان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدّة لم تنقض، فنقضوا ذلك العهد قبل أجله، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكّة في ستين راكباً، فواقفوهم واجمعوا أمرهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لتكونن كلمتنا واحدة، ثمّ رجعوا إلى المدينة.
عندئذ نزلت الآية المذكورة تقول لهم إنّ الحساب قريب وأنكم جميعاً ستكونون عمّا قريب من المغلوبين(1).
التّفسير
مع ما تقدّم في سبب النزول يتضح أن الكفّار المغرورين بأموالهم وأولادهم، وعددهم وعدّتهم يتوقعون هزيمة الإسلام، ولكن القرآن الكريم يصرح في هذه الآية بأنهم سيُغلبون، ويخاطب النبيّ (ص) بأن يخبرهم بذلك وأن عاقبتهم في الدنيا والآخرة ليست سوى الهزيمة والذلّ والعذاب الأليم: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد)(2).
تنّبؤ صريح هناك أخبار غيبية كثيرة في القرآن الكريم تعتبر من أدلة عظيمته وإعجازه.
والآية أعلاه واحدة من هذه الأخبار الغيبية.
وفي هذه الآية يبشّر الله نبيّه (ص) بالانتصار على جميع الأعداء، وينذر الكافرين بأنّهم فضلاً عن اندحارهم في هذه الدنيا، فإنّ لهم في الآخرة شرّ مصير.
إذا لاحظنا سبب نزول الآية، وكونها نزلت بعد فشل المسلمين في أُحد، 0وظهور ضعفهم الظاهري، وازدياد قوّة الأعداء باتّحادهم وتكاتفهم فإنّ هذا التنبّؤ الصريح وعلى الأخصّ عن المستقبل القريب: (ستُغلَبون) يكون أمراً مثيراً للإنتباه.
ومن هنا يمكن اعتبار هذه الآية من آيات إعجاز القرآن، لوجود هذا التنبّؤ عن المستقبل فيه، في الوقت الذي لا تشير فيه الظواهر إلى احتمال انتصار المسلمين على الكفّار واليهود.
ولم تمض فترة طويلة حتّى تحقّقت نبوءة الآية وهُزم يهود المدينة "بنو قريضة، وبنو النضير"، وفي خيبر- أهم معقل من معاقلهم- اندحروا وتلاشت قواهم. كما هُزم المشركون في فتح مكّة هزيمة نكراء
﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ مشركي مكة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ أي بيوم بدر ﴿وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَاد﴾ جهنم أو ما مهدوا لأنفسهم.