لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير روح الدين التسليم للحقّ: "الدِين" في الأصل بمعنى الجزاء والثواب، ويطلق على "الطاعة" والإنقياد للأوامر، و "الدين" في الإصطلاح: مجموعة العقائد والقواعد والآداب التي يستطيع الإنسان بها بلوغ السعادة في الدنيا، وأن يخطو في المسير الصحيح من حيث التربية والأخلاق الفردية والجماعية. "الإسلام" يعني التسليم، وهو هنا التسليم لله. وعلى ذلك، فإنّ معنى (إنّ الدِين عند الله الإسلام): إنّ الدين الحقيقي عند الله هو التسليم لأوامره وللحقيقة. في الواقع لم تكن روح الدين في كلّ الأزمنة سوى الخضوع والتسليم للحقيقة. وإنّما أطلق اسم "الإسلام" على الدِين الذي جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)لأنّهأرفع الأديان. وقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) هذا المعنى في بيان عميق فقال: "لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل"(1). فالإمام في كلمته هذه يضع للاسم ستّ مراحل، أولاها التسليم أمام الحقيقة، ثمّ يقول إنّ التسليم بغير يقين غير ممكن (إذ أنّ التسليم بغير يقين يعني الإستسلام الأعمى، لا التسليم الواعي). ثمّ يقول إنّ اليقين هو التصديق (أي أنّ العلم وحده لايكفي، بل لابدّ من الاعتقاد والتصديق القلبيّين) والتصديق هو الإقرار (أي لا يكفي أن يكون الإيمان قلبيّاً فحسب، بل يجب إظهاره بشجاعة وقوّة)، ثمّ يقول إنّ الإقرار هو الأداء (أي أنّ الإقرار لا يكون بمجرّد القول باللسان، بل هو إلتزام بالمسؤولية). وأخيراً يقول إنّ الأداء هو العمل (أي إطاعة أوامر الله وتنفيذ البرامج الإلهية) لأنّ الإلتزام وتحمّل المسؤولية لا يعنيان سوى العمل. أمّا الذين يسخّرون كلّ قواهم وطاقاتهم في عقد الجلسات تلو الجلسات وتقديم الإقتراحات وما إلى ذلك من الأُمور التي لا تتطلّب سوى الكلام فلا هم تحمّلوا إلتزاماً ولا مسؤولية، ولا هم وعوا روح الإسلام حقّاً. هذا أجلى تفسير للإسلام من جميع جوانبه، ثمّ إنّ الآية تذكر علّة الاختلاف الديني على الرغم من الوحدة الحقيقية للدين الإلهي وتقول: (وما اختلف الذين أُوتوا الكتاب إلاَّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم). فعلى هذا إن الاختلاف ظهر أوّلاً بعد العلم والإطلاع على الحقائق. وثانياً كانت الدوافع لذلك هي الظلم والطغيان والحسد. فاليهود اختلفوا في خليفة موسى ابن عمران (عليه السلام) واقتتلوا بينهم، والمسيحيون اختلفوا في أمر التوحيد حيث خلطوه بالشرك والتثليث، وقد اختلف كلّ منهما في أمر الإسلام ودلائل صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)الواردة في كتبهم، فقبل بعضهم وانكر آخرون. والخلاصة إنّ لكلّ دين سماوي دلائله الواضحة التي لا تترك إبهاماً أمام الباحث عن الحقيقة. فالنبيّ الأكرم (ص) مثلاً- بالإضافة إلى أنّ المعجزات والدلائل الواضحة في نصوص دينه تؤكّد صدقه- وردت أوصافه وعلاماته في الكتب السماوية السابقة التي بقي قسم منها في أيدي اليهود والنصارى، ولذلك بشّر علماؤهم بظهوره قبل ظهوره، ولكنّهم بعد أن بُعث رأوا مصالحهم في خطر، فأنكروا كلّ ذلك، يحدوهم الظلم والحسد والطغيان. (ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريعُ الحساب). هذا بيان لمصير أمثال هؤلاء الذين لا يعترفون بآيات الله. إنّهم سوف يتلقّون نتائج عملهم هذا، فالله سريع في تدقيق حساباتهم(2). المراد من "آيات الله" في هذه الآية ما يشمل جميع آياته وبراهينه وكتبه السماوية، ولعلّها تشمل أيضاً الآيات التكوينية في عالم الوجود، وما ذكره بعض المفسرين من أنها تعني آيات التوراة والإنجيل خاصة، لا دليل عليه. ملاحظة منشأ الإختلافات الدينية ممّا يلفت النظر في هذه الآية هو أنّ سبب الإختلافات الدينية ليس الجهل وعدم المعرفة دائماً، بل هو على الأكثر الظلم والطغيان والإنحراف عن الحقّ واتّباع وجهات النظر الخاصّة، فلو تخلّى الناس- وعلى الأخصّ العلماء منهم- عن التعصّب، والحقد، وضيق النظر، والمصالح الخاصّة، وتجاوز الحدود، والإعتداء على الحقوق، وتعمّقوا في دراسة أحكام الله بنظرة واقعية وبروح من العدالة، فسيرون محجّة الحقّ منيرة وسيستطيعون حلّ الإختلافات بسرعة. وهذه الآية في الواقع ردّ دامغ على الذين يقولون: "إنّ الدين هو سبب الخلافات إراقة الدماء بين البشر على امتداد التاريخ". هؤلاء يخلطون بين "الدين" و "التعصّب الديني" والإنحرافات الفكرية. فنحن إذا درسنا تعاليم الأديان السماوية نجد أنّها جميعاً تسعى لتحقيق هدف واحد، وكلّها جاءت من أجل سعادة الإنسان، وإن كان قد تكاملت تدريجياً على مرور الزمن. الأديان السماوية أشبه في الواقع بقطرات المطر النازلة من السماء حيث تكمن فيها الحياة، ولكنّها إذا نزلت على الأراضي السبخة، كالأرض المالحة، اكتسبت صبغة هذه الأرض. فهذه الإختلافات ليست من قطرات المطر، بل هي من تلك الأراضي. ولكن من حيث مبدأ التكامل، فإنّ آخر تلك الأديان يكون أكملها. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ أي الدين المرضي له تعالى الإسلام أو الانقياد له في جميع أوامره ونواهيه ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ﴾ اليهود والنصارى وأهل الكتب السالفة في دين الإسلام فأثبته قوم وخصه قوم بالعرب ونفاه قوم أو في التوحيد فثلث النصارى وقالت اليهود عزير ابن الله وقيل هم اليهود اختلفوا بعد موسى وقيل النصارى اختلفوا في أمر عيسى ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ﴾ بشرائعهم أو بعد أن علموا الحق أو تمكنوا من العلم به بالدلائل ﴿بَغْيًا ﴾ حسدا وطلبا للرئاسة ﴿بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ وعيد لهم.