أوهام اليهود:
في هذه الآيات خطاب آخر إلى بني إسرائيل فيه تذكير بنعم الله: ﴿يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ اْلَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾.
هذه النعم سابغة واسعة النطاق، ابتداءً من الهداية والإيمان، وانتهاءً بالنجاة من فرعون ونيل العظمة والاستقلال.
ثم تشير الآية من بين كل هذه النعم إلى نعمة التفضيل على بقية البشر، وهي نعمة مركبة من نعم مختلفة، وتقول: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمينَ﴾.
لعل البعض تصور أن هذا التفضيل صفة أبدية مستمرة على مرّ العصور.
لكن دراسة سائر آيات القرآن تبين أن هذا التفضيل هو تفضيل بني إسرائيل على يغيرهم من أفراد عصرهم ومنطقتهم، لا تفضي مطلقاً.
فالقرآن الكريم يخاطب المسلمين في آية اُخرى ويقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...﴾.
كما يتحدث القرآن عن وراثة بني إسرائيل للأرض فيقول: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الاَْرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾.
وواضح أن هذه الوراثة لم تكن تشمل آنذاك جميع العالم، والمقصود من الآية مشارق المنطقة التي كانوا يعيشون فيها ومغاربها، من هنا فالتفضيل على العالمين هو تفضيلهم على أفراد منطقتهم.
الآية التالية ترفض أوهام اليهود، التي كانوا يتصورون بموجبها أن الأنبياء من أسلافها سوف يشفعون لهم، أو أنّهم قادرون على دفع فدية وبدل عن ذنوبهم، كدفعهم الرشوة في هذه الحياة الدنيا.
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ كرر تأكيدا ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ فضلت أسلافكم ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ عالمي زمانهم الذين خالفوا طريقتهم بالإيمان والعلم وجعل الأنبياء فيهم وأنزل الكتاب عليهم.