لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول يذكر المفسّر المعروف "الطبرسي" في "مجمع البيان" سببين لنزول هاتين الآيتين يتناولان حقيقة واحدة. 1- عندما فتحت مكّة، بشّر رسول الله (ص) المسلمين بأنّ دولة الفرس ودولة الروم سرعان ما ستنضويان تحت لواء الإسلام. غير أنّ المنافقين الذين لم تكن قلوبهم قد استنارت بنور الإيمان ولم يدركوا روح الإسلام، اعتبروا ذلك مبالغة، وقالوا بدهشة: لم يقنع محمّد (ص) بالمدينة ومكّة، وهو يطمع الآن بفتح فارس والروم، فنزلت الآية المذكورة. 2- كان رسول الله (ص) والمسلمون مشغولون بحفر الخندق في أطراف المدينة،وانتظم المسلمون في جماعات يحفرون بسرعة وجدّ لكي ينجزوا هذا الحصن الدفاعي قبل وصول جيش الأعداء. وفجأةً ظهرت صخرة كبيرة بيضاء صلدة وسط الخندق عجز المسلمون عن كسرها أو تحريكها. فجاء "سلمان" إلى رسول الله (ص) يعرض عليه الأمر. فنزل رسول الله (ص) إلى الخندق وتناول المعوَل من سلمان وأنزل ضربة شديدة بالصخرة، فانبعث منها الشرر، فصاح النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)مكبّراً تكبيرة الإنتصار، فردّد المسلمون التكبير وراح صوتهم يدوّي في كلّ مكان. ومرّة أُخرى أنزل رسول الله (ص) مِعوَله على الصخرة، فانبعث الشرر وكسرت قطعة منها، وارتفع صوت تكبير الإنتصار من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)والمسلمين بعده. وللمرّة الثالثة ارتفع مِعوَل النبيّ (ص) ونزل على الصخرة، وللمرّة الثالثة انبعث الشرر من الضربة وأضاء ما حولها، وتحطّمت الصخرة، وارتفع صوت التكبير بين جنبات الخندق. فقال سلمان: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، لقد رأيت شيئاً ما رأيت منك قط. فالتفت رسول الله (ص) إلى القوم وقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: ضربت ضربتي الأُولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنّها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرئيل أنّ أُمّتي ظاهرة عليها، ثمّ ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرئيل أنّ أُمّتي ظاهرة عليها، ثمّ ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي قصور صنعاء كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرئيل أن أُمّتي ظاهرة عليها. فابشروا، فاستبشر المسلمون وحمدوا الله. أمّا المنافقون فقد عبسوا وقالوا بلهجة المعترض: أمل باطل ووعد مستحيل! هؤلاء يحفرون الخنادق خوفاً على أرواحهم من جيش صغير يخشون مواجهته، ثمّ يحلمون فتح أعظم دول العالم. وعندئذ نزلت الآيات المذكورة. التّفسير بيده كلّ شيء: دار الكلام في الآيات السابقة حول المشركين وأهل الكتاب الذين كانوا يخصّون أنفسهم بالعزة وبالملك، وكيف أنّهم كانوا يرون أنفسهم في غنى عن الإسلام. فنزلت هاتان الآيتان تفنّدان مزاعمهم الباطلة يقول تعالى: (قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء). إنّ المالك الحقيقي للأشياء هو خالقها. وهو الذي يعطي لمن يشاء الملك والسلطان، أو يسلبهما ممّن يشاء، فهو الذي يعز، وهو الذي يذل، وهو القادر علىكلّ هذه الأُمور، (وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كلّ شيءقدير). ولا حاجة للقول بأنّ مشيئة الله في هذه الآيات لا تعني أنّه يعطي بدون حساب ولا موجب، أو يأخذ بدون حساب ولا موجب، بل أنّ مشيئته مبنيّة على الحكمة والنظام ومصلحة عالم الخلق وعالم الإنسانية عموماً. وبناءاً على ذلك فإنّ أي عمل يقوم به إنّما هو خير عمل وأصحّه. (بيدك الخير). "خير" صيغة تفضيل يقصد بها تفضيل شيء على شيء، والكلمة تطلق أيضاً على كلّ شيء حسن. بدون مفهوم التفضيل، والظاهر من الآية مورد البحث أنها جاءت بالمعنى الثاني هذا، أي إن مصدر كلّ خير بيده ومنه سبحانه. وعبارة (بيدك الخير) تحصر كلّ الخير بيد الله من جهتين: 1- الألف واللام في "الخير" هما للإستغراق. 2- أنّ تقديم الخبر "بيدك" وتأخير المبتدأ "الخير" دليل على الحصر كما هو معلوم. فيكون المعنى: "كلّ الخير بيدك وحدك لا بيد غيرك". كذلك يستفاد من "بيدك الخير" أنّ الله هو منبع كلّ خير وسعادة فإذا أعزّ أحداً أو أذلّه، أو أعطى السلطنة والحكم لأحد الناس أو سلبها منه فذلك قائم على العدل، ولا شرّ فيه. فالخير للاشرار أن يكونوا في السجن، والخير للأخيار أن يكونوا أحراراً. وبعبارة اُخرى: أنه لا وجود للشر في العالم، ونحن الذين نقلب الخيرات إلى شرور، فعندما تحصر الآية الخير بيده تعالى ولا تتحدث عن الشر إنّما هو بسبب ان الشر لا يصدر من ذاته المقدسة إطلاقاً. (إنّك على كلّ شيء قدير). هذه الآية جاءت دليلاً على الآية السابقة. أي ما دام الله ذا قدرة مطلقة، فليس ثمّة ما يمنع أن يكون كلّ خير خاضعاً لمشيئته. الحكومات الصالحة وغير الصالحة: يُطرح هنا سؤال هام يقول: قد يستنتج بعضهم من هذه الآية أنّ من يصل إلى مركز الحكم، أو يسقط منه، فذلك بمشيئة الله. ومن هنا فلابدّ من قبول حكومات الجبّارين والظالمين في التاريخ مثل حكومات جنكيز خان وهتلر وغيرهما. بل أنّنا نقرأ في التاريخ أنّ "يزيد بن معاوية"- تبريراً لحكمه الشائن الظالم- استشهد بهذه الآية(1). لذلك نرى في كتب التفسير توضيحات مختلفة بشأن هذه الشبهة. من ذلك أنّ الآية تختصّ بالحكومات الإلهيّة، أو أنّها تقتصر على حكومة رسول الله(ص) التي أنهت حكم جبّاري قريش. ولكن الآية تطرح في الواقع مفهوماً عامّاً يقضي أنّ جميع الحكومات الصالحة وغير الصالحة مؤطّرة بقانون مشيئة الله، ولكن ينبغي أن نعلم أنّ الله قد أوجد مجموعة من الأسباب للتقدّم والنجاح في العالم، وأنّ الإستفادة من تلك الأسباب هي نفسها مشيئة الله. وعليه فإنّ مشيئة الله هي الآثار المخلوقة في تلك الأسباب والعوامل. فإذا قام ظَلَمة وطغاة- مثل جنكيز ويزيد وفرعون- باستغلال أسباب النجاح، وخضعت لهم شعوب ضعيفة وجبانة، وتحمّلت حكمهم الشائن، فذلك من نتائج أعمال تلك الشعوب وقد قيل: كيفما كنتم يولّى عليكم. ولكن إذا كانت هذه الشعوب واعية، وانتزعت تلك الأسباب والعوامل من أيدي الجبابرة وأعطتها بيد الصلحاء، وأقامت حكومات عادلة، فإن ذلك أيضاً نتيجةً لأعمالها ولطريقة استفادتها من تلك العوامل والأسباب الإلهيّة. في الواقع، أنّ الآية دعوة للأفراد والمجتمعات إلى اليقظة الدائمة والوعي واستفادة من عوامل النجاح والنصر، لكي يشغلوا المواقع الحسّاسة قبل أن يستولي عليها أُناس غير صالحين. خلاصة القول: إنّ مشيئة الله هي نفسها عالم الأسباب، إنّما الإختلاف في كيفية استفادتنا من عالم الأسباب هذا. ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ حِسَابٍ﴾ كله نداء ثاني أو صفته ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾ أي ما تشاء منه ﴿مَن تَشَاء﴾ وكذا ﴿وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء﴾ فالملك الأول عام والآخران خاصان وقيل الملك هنا النبوة ونزعه نقلها من قوم إلى قوم ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء﴾ في الدنيا والدين بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ لم يذكر الشر إيماء إلى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أو لأن أفعاله تعالى بين نافع وضار للمصالح فكلها خير ﴿إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.