لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير العلاقة مع الأجنبي: ذكرت الآيات السابقة أن العزّة والذلّة وجميع الخيرات بيد الله تعالى. وبهذه المناسبة فإن هذه الآية تحذّر المؤمنين من مصادقة الكافرين وتنهاهم بشدّة من موالاة الكفّار، لأنّه إذا كانت هذه الصداقة والولاء من أجل العزّة والقدرة والثروة. فإنها جميعاً بيد الله عزّوجلّ. ولذلك تقول الآية: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) ولو إرتكب أحد المؤمنين ذلك فإنه يقطع إرتباطه مع الله تماماً (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) وقد نزلت هذه الآية في وقت كانت هناك روابط بين المسلمين والمشركين مع اليهود والنصارى. وهذه الآية درس سياسيّ وإجتماعيّ مهمّ للمسلمين، فتحذّرهم من إتّخاذ الأجنبي صديقاً أو حامياً أو عوناً ورفيقاً، في أيّ عمل من أعمالهم، ومن الإنخداع بكلامه المعسول وعروضه الجذّابة وتظاهره بالمحبّة الحميمة، لأنّ التاريخ قد أثبت بأنّ أقسى الضربات التي تلقّاها المؤمنون جاءت من هذا الطريق. لو أنّنا طالعنا تاريخ الاستعمار للاحظنا أنّ المستعمرين جاؤوا دائماً في لبوس الصداقة والترحّم وحبّ الإعمار والبناء فتغلغلوا بين طبقات المجتمع. إنّ كلمة "استعمار" التي تعني الإعمار والبناء دليل على هذا الخداع، فهم بعد أن يتمكّنوا من إنشاب مخالبهم في جذور المجتمع المستعمَر، يبدأون بامتصاص دمائه بكلّ قسوة وبغير رحمة. (من دون المؤمنين) إشارة إلى أنّ الناس في حياتهم الإجتماعية لابدّ لهم من إتّخاذ الأولياء والأصدقاء، فعلى المؤمنين أن يختاروا أولياءهم من بين المؤمنين، لا من بين الكافرين. (ليس من الله في شيء). تقول الآية: إن الذين يعقدون أواصر صداقتهم وولاءهم مع أعداء الله، ليسوا من الله في أيّ شيء من الأشياء، أي أنّهم يكونون قد تخلّوا عن إطاعة أوامر الله وقطعوا علاقتهم بالجماعة المؤمنة الموحّدة، وانقطعت إرتباطاتهم من جميع الجهات. (إلاَّ أن تتّقوا منهم تقاة). هذا إستثناء من الحكم المذكور، وهو أنّه إذا اقتضت الظروف- التقية- فللمسلمين أن يظهروا الصداقة لغير المؤمنين الذين يخشون منهم على حياتهم. ولكن الآية تعود في الختام لتؤكّد الحكم الأوّل فتقول: (يحذّركم اللهنفسه وإلى الله المصير) فالله ينذر الناس أوّلاً بغضب منه وبعقاب شديد، ثمّ إنّ مرجع الناس جميعاً إلى الله. وإن تولّوا أعداء الله نالوا عاجلاً نتيجة أعمالهم. بحوث 1- التقية أو الدرع الواقي صحيح أنّ الإنسان قد يضحّي حتّى بحياته من أجل هدف كبير ولصيانة الشرف ونصرة الحقّ وقمع الباطل، ولكن هل يجيز عاقل لنفسه أن تتعرّض للخطر دون أن يكون أمامه هدف هام؟ الإسلام يجيز الإنسان صراحة أن يمتنع عن إعلان الحقّ مؤقّتاً وأن يؤدّي واجبه في الخفاء حين يعرضه ذلك لخطر في النفس والمال والعرض وحين لا يكون للإعلان نتيجه مهمّة وفائدة كبيرة. كما جاء في هذه الآية، وكما جاء في الآية 106 من سورة النحل حيث يقول: (إلاَّ من أُكره وقلبه مطمئّن بالإيمان). إن كتب التاريخ والحديث الإسلامي مازالت تحفظ حكاية "عمّار" وأبيه وأُمّه إذ وقعوا في قبضة عبدة الأصنام الذين راحوا يعذّبونهم لكي يرتدّوا عن الإسلام. فرفض والدا عمّار ذلك فقتلهما المشركون. غير أنّ عمّاراً قال بلسانه ما أرادوا أن يقوله، ثمّ هرع باكياً إلى رسول الله (ص) خوفاً من الله، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "إن عادوا لك فعد لهم" أي إذا قبضوا عليك مرّة أُخرى وطلبوا منك أن تقول شيئاً فقله، وبهذا هدأ روعه وزال عنه خوفه. لابدّ من الإشارة إلى أنّ حكم التقية يختلف باختلاف الظروف، فهي قد تكون واجبة، وقد تكون حراماً، وقد تكون مباحة. تجب التقية حيثما تتعرّض حياة الإنسان للخطر دونما فائدة تذكر. أمّا إذا كانت التقية سبباً في ترويج الباطل وضلالة الناس وإسناد الظالم فهي هنا حرام. وهذا جواب لجميع الإعتراضات التي ترد بهذا الشأن. لو أنّ المعترضين دقّقوا في البحث لأدركوا أنّ الشيعة ليسوا منفردين بهذا الاعتقاد، بل أنّ التقية في موضعها حكم عقلي قاطع ويتّفق مع الفطرة الإنسانية. فجميع عقلاء العالم- حين يرون أنفسهم أمام طريقين: إمّا الإعلان عن عقيدتهم والمخاطرة بالنفس والمال والكرامة، أو إخفاء معتقداتهم- يمعنون النظر في الظروف القائمة. فإن كان الإعلان عن العقيدة يستحقّ كلّ هذه التضحية بالنفس والمال والكرامة اعتبروا إعلانها عملاً صحيحاً، وإن لم يكن للإعلان نتيجة تذكر تركوا ذلك. 2- التقية أو تغيير أُسلوب النضال: في تاريخ النضالات الدينية والإجتماعية والسياسية حالات إذا أراد فيها المدافعون عن الحقّ أن يناضلوا علانية، فإنّهم يتعرّضون للإبادة هم ومبادؤهم أو يواجهون الخطر على الأقلّ، مثل الحالة التي مرّ بها شيعة علي (عليه السلام) على عهد بني أُمية. في مثل هذه الحالة يكون الطريق الصحيح والمعقول هو أن لا يبدّدوا قواهم، وأن يواصلوا نضالهم غير المباشر في الخفاء. التقية في مثل هذه الحالات أشبه بتغيير أُسلوب النضال الذي يجنّبهم الفناء ويحقّق لهم النصر في الكفاح. إنّ الذين يرفضون التقية كلّية ويفتون ببطلانها لا ندري ما الذي يقترحونه في مثل هذه الحالات؟ أيرون الفناء خيراً، أم استمرار النضال بشكل صحيح ومنطقي؟ هذاالطريق الثاني هو ا لتقية، وأمّا الطريق الأوّل فليس بمقدور أحد أن يجيزه. ويتضح ممّا تقدّم أن التقية هي أصل قرآني مسلّم، ولكنّها تكون مشروعة في موارد معينة ووفق ضوابط خاصّة. وما نرى من بعض الجهلاء أنّهم تصوّروا أن التقية من إختلاقات أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فهو دليل على عدم اطلاعهم على القرآن بصورة كافية. ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء﴾ نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية ﴿مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إشارة إلى أن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ﴾ من ولايته ﴿فِي شَيْءٍ﴾ إذ لا يجتمع موالاة متعاديين ﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه وخص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطان عداوتهم وهي التقية التي تدين بها الإمامية ودلت عليه الأخبار المتواترة وقوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ﴾ فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهو ترهيب بليغ.