لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
﴿صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ﴾ التّفسير خطّان منحرفان! هذه الآية تفسير واضح للصراط المستقيم المذكور في الآية السابقة، إنّه صراط المشمولين بأنواع النعم (مثل نعمة الهداية، ونعمة التوفيق، ونعمة القيادة الصالحة، ونعمة العلم والعمل والجهاد والشهادة) لا المشمولين بالغضب الإِلهي بسبب سوء فعالهم وزيغ قلوبهم، ولا الضائعين التائهين عن جادة الحق والهدى: ﴿صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالِّينَ﴾. ولإننا لسنا على معرفة تامّة بمعالم طريق الهداية، فإن الله تعالى يأمرنا في هذه الكريمة أن نطلب منه هدايتنا إلى طريق الأنبياء والصالحين من عباده: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾، ويحذّرنا كذلك بأن أمامنا طريقين منحرفين، وهما طريق (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، وطريق ﴿الضّالّينَ﴾، وبذلك يتبين للإِنسان طريق الهداية بوضوح. بحثان 1 - من هم ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾؟ الذين أنعم الله عليهم، تبيّنهم الآية الكريمة من سورة النساء إذ يقول: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾. والآية - كما هو واضح - تقسم الذين أنعم الله عليهم على أربع مجاميع: الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين. لعل ذكر هذه المجاميع الأربع، إشارة إلى المراحل الأربع لبناء المجتمع الإِنساني السالم المتطوّر المؤمن. المرحلة الاُولى: مرحلة نهوض الأنبياء بدعوتهم الإلهية. المرحلة الثانية: مرحلة نشاط الصديقين، الذين تنسجم أقوالهم مع أفعالهم، لنشر الدعوة. المرحلة الثالثة: مرحلة الكفاح بوجه العناصر المضادة الخبيثة في المجتمع. وفي هذه المرحلة يقدم الشهداء دمهم لارواء شجرة التوحيد. المرحلة الرابعة: هي مرحلة ظهور «الصالحين» في مجتمع طاهرينعم بالقيم والمثل الانسانية باعتباره نتيجة للمساعي والجهود المبذولة. نحن - إذن - في سورة الحمد نطلب من الله - صباحاً مساءاً - أن يجعلنا في خط هذه المجاميع الإربع: خط الإنبياء، وخط الصديقين، وخط الشهداء، وخط الصالحين. ومن الواضح أنّ علينا أن ننهض في كل مرحلة زمنيّة بمسؤوليتنا ونؤدي رسالتنا. 2 - من هم ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، ومن هم ﴿الضَّالِّينَ﴾؟ يتضح من الآية الكريمة أن ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ و﴿الضّالِّينَ﴾ مجموعتان لا مجموعة واحدة، وأما الفرق بينهما ففيه ثلاثة أقوال: 1- يستفاد من استعمال التعبيرين في القرآن أنّ «المغضوب عليهم» أسوأ وأحطّ من «الضّالّين»، أي إنّ الضّالين هم التائهون العاديّون، والمغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون، أو المنافقون، ولذلك استحقوا لعن الله وغضبه. قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ﴾. وقال سبحانه: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَوْءِ، عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ﴾. ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ إذن يسلكون - إضافة إلى كفرهم - طريق اللجاج والعناد ومعاداة الحق، ولا يألون جهداً في توجيه ألوان التنكيل والتعذيب لقادة الدعوة الإِلهية. يقول سبحانه: ﴿وَبَآءُوا بِغَضَبِ مِنَ اللهِ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾. 2 - ذهب جمع من المفسرين إلى أن المقصود من ﴿الضّالِّينَ﴾ المنحرفون من النصارى، و(الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾المنحرفون من اليهود. هذا الفهم ينطلق من مواقف هذين الفريقين تجاه الدعوة الإِسلامية. فالقرآن يصرّح مراراً أنّ المنحرفين من اليهود كانوا يكنون عداءاً شديداً وحقداً دفيناً للإِسلام. مع أن علماء اليهود كانوا من مبشّري ظهور الإِسلام، لكنهم تحوّلوا إلى أعداء ألدّاء للإِسلام لدى انتشار الدعوة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها، منها تعرّض مصالحهم المادية للخطر. (تماماً مثل موقف الصهاينة اليوم من الإِسلام والمسلمين). تعبير ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ ينطبق تماماً على هؤلاء اليهود، لكن هذا لا يعني حصر مفهوم المغضوب عليهم بهذه المجموعة من اليهود، بل هو من قبيل تطبيق الكلي على الفرد. أما منحرفو النصارى فلم يكن موقفهم تجاه الإِسلام يبلغ هذا التعنت، بل كانوا ضالين في معرفة الحق. والتعبير عنهم بالضالين هو أيضاً من قبيل تطبيق الكلي على الفرد. الأحاديث الشريفة أيضاً فسّرت ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ باليهود، و﴿الضَّالِّينَ﴾ بمنحرفي النصارى، والسبب في ذلك يعود إلى ما ذكرناه. 3 - من المحتمل أن ﴿الضَّالِّينَ﴾ إشارة إلى التائهين الذين لا يصرّون على تضليل الآخرين، بينما ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ هم الضالّون والمضلّون الذين يسعون إلى جرّ الآخرين نحو هاوية الإنحراف. الشاهد على ذلك حديث القرآن عن المغضوب عليهم بوصفهم: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ إذ يقول: ﴿وَالذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَديدٌ﴾. ويبدوا أن التّفسير الأول أجمع من التّفسيرين التاليين، بل إن التّفسيرين التاليين يتحركان على مستوى التطبيق للتفسير الأول. ولا دليل لتحديد نطاق المفهوم الواسع للآية. نهاية سورة الفاتحة ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ بالتوفيق لدينك وطاعتك من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ من اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله وغضب عليه ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ النصارى الذين قال الله فيهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا) وصح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد وحد وإنما دخلت لا في (ولا الضالين) لما في غيره من معنى النفي وإنما صرح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب والضلال تأدبا وإشارة إلى تأسيس مباني الرحمة وأن الغضب كأنه صادر عن غيره تعالى ولحسن التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد كما في قوله ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب والانتقام ونحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم.