التّفسير
استقامة الحواريين:
كان اليهود ينتظرون مجيء المسيح بموجب ما بشّرهم به موسى، قبل أن يولد.
ولكنّه عندما ظهر، وتعرّضت مصالح جمع من الظالمين والمنحرفين من بني إسرائيل للخطر، لم يبق معه إلاَّ نفر قليل، بينما تركه الذين احتملوا أن يؤدّي قبولهم دعوة المسيح والتقيّد بالقوانين الإلهية إلى ضياع مصالحهم.
بعد أن أعلن عيسى دعوته وأثبتها بالأدلّة الكافية، أدرك أنّ جمعاً من بني إسرائيل يصرّون على المعارضة والعصيان ولا يتركون المعاندة والإنحراف (فلمّا أحسّ(1) عيسى منهم الكفر)، فنادى في أصحابه و (قال مَن أنصاري إلى الله) فاستجاب لندائه نفر قليل.
كانوا أطهاراً سمّاهم القرآن بـ "الحواريّين".
لبّوا نداء المسيح ولم يبخلوا بشيء في سبيل نشر أهدافه المقدّسة.
أعلن الحواريُون استعدادهم لتقديم كلّ عون للمسيح، وقالوا: (نحن أنصار الله آمنّا بالله واشهد بأنّا مسلمون).
لاحظ أنّ الحواريين لم يقولوا: نحن أنصارك.
بل لكي يعربوا عن منتهى إيمانهم بالتوحيد وليؤكّدوا إخلاصهم، ولكن لا يشمّ من كلامهم أيّ رائحة للشرك، قالوا: نحن أنصار الله، ننصر دينه، ونريدك شاهداً على هذه الحقيقة، لعلّهم قد شمّوا منذ ذلك اليوم رائحة الإنحراف في المستقبل وأنّ هناك من يستدعي الوهيّة عيسى من بعده، فسعوا ألاَّ يكون في كلامهم ما يمكن أن يتذرّعوا به.
ضمناً نلاحظ أن الحواريين عبّروا في كلامهم عن كونهم مسلمين، وهذا يدلّ على أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء (عليهم السلام).
وهنا ميّز المسيح (عليه السلام) أتباعه المخلصين من الأعداء والمنافقين كيما يضع لدعوته برنامجاً دقيقاً وخطة مدروسة كما صنع نبي الإسلام (ص) ذلك في بيعة العقبة.
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ لما سمع ورأى أنهم يكفرون وعلم ذلك منهم كعلم ما يدرك بالحواس ﴿قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ﴾ الجار متعلق بأنصاري أي من يضيف نفسه إلى الله في نصري ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص لنقاء قلوبهم وخلوص نيتهم ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾ أنصار دينه ورسوله ﴿آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ استشهدوه لأن الرسل يوم القيامة يشهدون لقومهم وعليهم.