إلاَّ أن ما رسمه الله من مكر فاق مكرهم وكان أشدّ تأثيراً (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين).
بحوث
1- من هم الحواريون؟
"حواريّون" جمع حوري من مادة "حَوَر" بمعنى الغسل والتبييض، وقد تطلق على الشيء الأبيض.
لذلك يطلق العرب على الطعام الأبيض "الحواري".
و"حور" جمع حوراء وهي البيضاء البشرة.
أمّا سبب تسمية تلامذة المسيح بالحواريّين فقد ذكرت له احتمالات كثيرة، ولكن الأقرب إلى الذهن، وهو الوارد في أحاديث أئمّة الدين، هو لأنّهم فضلاً عن طهارة قلوبهم وصفاء أرواحهم، كانوا دائبي السعي في تطهير الناس وتنوير أفكارهم وغسلهم من أدران الذنوب.
وهذا ما أكّده حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) في "عيون أخبار الرضا"..؟!
2- الحواريّون في القرآن والإنجيل
تكلّم القرآن على الحواريّين في سورة الصف، الآية 14، مشيراً إلى إيمانهم.
ولكن يتبيّن ممّا نقرأه في الإنجيل بشأن الحواريّين أنّهم جميعاً ارتكبوا بعض الزلل بالنسبة للمسيح.
أمّا أسماؤهم كما جاءت في إنجيل متّى ولوقا، الباب السادس، فهي:
1- بطرس،2- اندرياس، 3- يعقوب، 4- يوحنّا، 5- فيلوبس، 6ـبرتولولما، 7- توما، 8- متّى، 9- يعقوب بن حلفا، 10- شمعون "الغيور"، 11ـيهوذا أخو يعقوب، 12- يهوذا الاسخريوطي الذي خان المسيح.
يذكر المفسّر المعروف المرحوم الطبرسي في "مجمع البيان" أنّ الحواريّين كانوا يرافقون المسيح في رحلاته.
كلّما عطشوا أو جاعوا رأوا الماء والطعام مهيّأًأمامهم بأمر الله، فكانوا يرون في ذلك فخراً لهم أيّ فخر، وسألوا المسيح:أهناك من هو أفضل منّا؟ فقال: نعم، أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل منكسبه.
وعلى أثر ذلك اشتغلوا بغسل الملابس للناس لقاء أجر، وانشغلوا بذلك; فكان ذلك درساً عملياً للناس بأنّ العمل ليس عيباً أو عاراً.
3- ما المراد بالمكر الإلهي
في القرآن آيات مشابهة لهذه ينسب فيها المكر إلى الله(2).
كلمة "المكر" بالمصطلح المعاصر تختلف كثيراً عن معناها اللغوي.
فالمكر بالمعنى المعاصر هو وضع الخطط الشيطانية الضارّة.
ولكن معناها بلغة العرب هو البحث عن العلاج لأمر مّا، وقد يكون حسناً أو سيّئاً.
في كتاب "المفردات" للراغب نقرأ: المكر: صرف الغير عمّا يقصد- خيراً كان أم شرّاً -.
وفي القرآن وردت كلمة "المكر" مقرونة بكلمة "الخير"، إذ يقول (والله خير الماكرين)، كما وردت مع "السيّىء": (ولايحيق المكر السيّىء إلاَّ بأهله)(3).
وعليه يكون المقصود من الآية هو أنّ أعداء المسيح وضعوا الخطط الشيطانية للوقوف بوجه هذه الدعوة الإلهيّة.
ولكن الله لكي يحفظ حياة نبيّه ويصون الدعوة مكَرَ أيضاً فأحبط كلّ ما مكَروه.
﴿وَمَكَرُواْ﴾ أي اليهود الذين أحس منهم الكفر بتوكيلهم من يقتله غيلة ﴿وَمَكَرَ اللّهُ﴾ برفعه عيسى وإلقاء شبهة على من أراد اغتياله حتى قتل وأسند المكر إليه تعالى للمقابلة ﴿وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ أنفذهم كيدا.