آخر آية من الآيات مورد البحث توضح هذا المطلب وتقول:
(إن أولى الناس بإبراهيم لّلذين اتّبعوه...).
لوضع حدّ لجدل أهل الكتاب حول إبراهيم، نبيّ الله العظيم، الذي كانت كلّ جهة تدّعي أنّه منها، وكانوا يستندون غالباً إلى قرابتهم منه، أو اشتراكهم معه في العنصر، أعاد القرآن مبدأً رئيساً إلى الأذهان وهو أنّ الإرتباط بالأنبياء والولاء لهم إنّما يكون عن طريق الإيمان واتّباعهم فقط.
وبناءً على ذلك، فإنّ أقرب الناس لإبراهيم هم الذين يتّبعون مدرسته ويلتزمون أهدافه، سواء بالنسبة للذين عاصروه (لّلذين اتّبعوه) أو الذين بقوا بعده أوفياء لمدرسته وأهدافه، مثل نبيّ الإسلام (ص) وأتباعه (وهذا النبيّ والذين آمنوا).
والسبب واضح، فاحترام الأنبياء إنّما هو لمدرستهم، لا لعنصرهم وقبيلتهم ونسبهم.
وعليه، إذا كان أهل الكتاب بعقائدهم المشركة قد انحرفوا عن أهم مبدأ من مبادىء دعوة إبراهيم، فقد بقي رسول الإسلام (ص) والمسلمون- بالإستناد إلى هذا المبدأ نفسه وتعميمه على جميع أُصول الإسلام وفروعه- من أوفى الأوفياء له، فلابدّ أن نعترف بأنّ هؤلاء هم الأقربون إلى إبراهيم، لا أُولئك.
وفي ختام الآية يبشر الله تعالى الذين يتبعون رسالة الأنبياء حقيقة ويقول: (والله ولي المؤمنين).
ملاحظة
الإرتباط الديني أوثق الروابط:
ترى هذه الآية أنّ الرابط الوحيد الذي يربط الناس بالأنبياء هو اتّباع مدرستهم وأهدافهم، ليس غير.
لذلك نجد أنّ النصوص المروية عن أئمة الإسلام تؤكّد هذا الموضوع بصراحة تامّة.
من ذلك أنّه جاء في تفسير مجمع البيان ونور الثقلين، نقلاً عن الإمام عليّ(عليه السلام) أنّه قال:
"إنّ أولى الناس بالأنبياء أعملهم بما جاؤوا به- ثمّ تلا الآية المذكورة ثمّ قال:- إنّ وليّ محمّد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإنّ عدوّ محمّد من عصى الله وإن قربت قرابته".
﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾ أخصهم به وأقربهم منه ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ سابقا ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ معه لموافقتهم له في أكثر شريعته أصالة ﴿وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ناصرهم.