سبب النّزول
يقول بعض المفسّرين إنّ فريقاً من اليهود سعوا أن يستميلوا إلى اليهودية بعض الشخصيات الإسلامية المجاهدة، "معاذ" و "عمّار" وغيرهما مستعينين بالوساوس الشيطانية وغير ذلك.
فنزلت هذه الآية تنذر المسلمين ممّا يبيت لهم اليهود.
التّفسير
(ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلّونكم(1)) سعى أعداء الإسلام، وعلى الأخصّ اليهود، كما جاء في سبب النزول أن يباعدوا بين المسلمين والإسلام، ولم يتوانوا في سبيل ذلك في بذل كلّ جهد، حتّى أنّهم طمعوا في إغراء أصحاب رسول الله (ص) المقرّبين لعلّهم يستطيعون صرفهم عن الإسلام.
ولاشكّ أنّهم لو نجحوا في التأثير على عدد منهم، أو حتّى على فرد واحد منهم، لكان ذلك ضربة شديدة على الإسلام تمهّد الطريق لتضليل الآخرين أيضاً.
هذه الآية تكشف خطّة الأعداء، وتنذرهم بالكفّ عن محاولاتهم العقيمة إستناداً إلى التربية التي نشأ عليها هذا الفريق من المسلمين في مدرسة رسول الله(ص) بحيث لا يمكن أن يكون هناك أيّ إحتمال لارتدادهم.
إنّ هؤلاء قد إعتنقوا الإسلام بكلّ وجودهم، ولذلك فإنّهم يعشقون هذه المدرسة الإنسانية بمجامع قلوبهم ويؤمنون بها.
وبناءً على ذلك لا سبيل للأعداء إلى تضليلهم، بل أنّهم إنّما يضلّون أنفسهم.
(وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يشعرون) وذلك لأنّهم بإلقاء الشبهات حول الإسلام وعلى رسول الإسلام واتّهامهما بشتّى التهم، إنّما يربّون في أنفسهم روح سوء الظن.
وبعبارة أوضح: إن العيّاب الذي يتصيّد الهفوات يعمى عن رؤية نقاط القوّة، أو بسبب تعصّبه وعناده يرى النقاط المضيئة الإيجابية نقاطاً مظلمة سلبية، وكلّما ازداد إصراراً على هذا، إزداد بُعداً عن الحقّ.
ولعلّ تعبير (وما يشعُرون) إشارة إلى هذه الحالة النفسية، وهي أنّ الإنسان يقع دون وعي منه تحت تأثير أقواله هو أيضاً، وفي الوقت الذي يحاول فيه بالسفسطة والكذب والإفتراء أن يضلّ الآخرين، لا يكون هو نفسه بمنأى عن التأثير بأكاذيبه، فتروح هذه الإختلافات تؤثّر بالتدريج في روحه وتتمكّن فيه بعد فترة وجيزة بصورة عقيدة راسخة، فيصدّقها ويضلّ نفسه بها.
﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ قيل هم اليهود دعوا حذيفة وعمار ومعاذ إلى اليهودية ولو بمعنى أن ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾ لا يلحق وبال ضلالهم إلا بهم إذ يضاعف به عذابهم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بذلك.