سبب النّزول
يقول بعض المفسّرين القدامى إنّ اثني عشر من يهود خيبر وغيرهما وضعوا خطّة ذكيّة لزعزعة إيمان بعض المؤمنين، فتعاهدوا فيما بينهم أن يصبحوا عند رسول الله (ص) ويتظاهروا باعتناق الإسلام، ثمّ عند المساء يرتدّون عن إسلامهم، فإذا سئلوا لماذا فعلوا هذا، يقولون: لقد راقبنا أخلاق محمّد عن قرب، ثمّ عندما رجعنا إلى كتبنا وإلى أحبارنا رأينا أنّ ما رأيناه من صفاته وسلوكه لا يتّفق مع ما هو موجود في كتبنا، لذلك ارتددنا.
إنّ هذا سيحمل بعضهم على القول بأنّ هؤلاء قد رجعوا إلى كتبهم السماوية التي هم أعلم منّا بها، إذاً لابدّ أن يكون ما يقولونه صحيحاً.
وبهذا تتزعزع عقيدتهم.
هناك سبب نزول آخر، إلاَّ أنّ ما ذكرناه أقرب إلى معنى الآية.
التّفسير
مؤامرة خطيرة:
تكشف هذه الآية عن خطّة هدّامة أُخرى من خطط اليهود، وتقول إنّ هؤلاء لكي يزلزلوا بُنية الإيمان الإسلامي توسّلوا بكلّ وسيلة ممكنة.
من ذلك أنّ (طائفة من أهل الكتاب) اتّفقوا أن يؤمنوا بما أنزل على المسلمين في أوّل النهار ويرتدّوا عنه في آخره (ءامنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره).
لعلّ المقصود من أوّل النهار وآخره قصر المدة بين إيمانهم وارتدادهم، سواء أكان ذلك في أوّل النهار حقّاً أم في أيّ وقت آخر.
إنّما قصر هذه المدّة يوحي إلى الآخرين أن يظنّوا أنّ هؤلاء كانوا يرون الإسلام شيئاً عظيماً قبل الدخول فيه، ولكنّهم بعد أن أسلموا وجدوه شيئاً آخر قد خيّب آمالهم، فارتدّوا عنه.
لاشكّ أن مثل هذه المؤامرة كانت ستؤثّر في نفوس ضعفاء الإيمان، خاصّة وأنّ أُولئك اليهود كانوا من الأحبار العلماء، وكان الجميع يعرفون عنهم أنّهم عالمون بالكتب السماوية وبعلائم خاتم الأنبياء.
فإيمانهم ثمّ كفرهم كان قادراً على أن يزلزل إيمان المسلمين الجديد.
لذلك كانوا يعتمدون كثيراً على خطّتهم الماهرة هذه، وقوله: (لعلهم يرجعون) دليل على أملهم هذا.
وكانت خطّتهم تقتضي أن يكون إيمانهم بالإسلام ظاهرياً، وأن يبقى إرتباطهم باتّباع دينهم.
﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أظهروا الإيمان بالقرآن ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ أوله ﴿وَاكْفُرُواْ﴾ به ﴿آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ في دينهم لذلك ويرجعون عنه.